"أم علاء" تروي قصص توليد آلاف من "أطفال داعش" في الرقة

05-05-2018
رووداو
الكلمات الدالة سميرة النسر قابلة قانونية داعش الرقة سوريا
A+ A-

رووداو- أربيل

عملت سميرة النسر (أم علاء) أربعة عقود قابلة في مدينة الرقة، لكنها تقول أنها طوال فترة الأربعين عاماً لم تشهد مثل الذي شهدته خلال ثلاث سنوات من حكم داعش، وكان لمهنتها الفضل في أن تطلع على أسرار حياة عوائل داعش التي لم يطلع عليها أحد.

تروي أم علاء لجريدة (الواشنطن بوست) الأمريكية قصة ولادة طفل لأبوين داعشيين تركيين يقيمان في الرقة. كان والد الطفل يريد أن يلبس ابنه الملابس العسكرية الخاصة بداعش فور ولادته، فصدمت أم علاء، وبعد جهود كبيرة منها أقنعته بأن قماشة ذلك الزي خشنة لا يتحملها جلد الطفل الرقيق.

منذ تأسيس خلافته، سعى داعش لاستخدام الأطفال كمادة للدعاية، والأطفال الذين كانوا يولدون في ظل تلك الخلافة كانوا يسمون "أطفال الخلافة". ساعدت أم علاء خلال فترة حكم داعش للرقة في توليد آلاف من "أطفال الخلافة"، لكن بدون أن تشعر بالسعادة والفخر اللذين كانت تشعر بهما في حالات الولادة الأخرى.

وتقول أم علاء للجريدة الأمريكية: "لم يكونوا يكنون أي تقدير أو احترام لمهنتي ولا لي، بل كانوا يستغلونني كأداة وليس كراعية للأمهات وأطفالهن، وبعد ولادة كل طفل كنت أطرد خارجاً".

وتذكر أم علاء أن الأمهات الشابات، وكن في الغالب أجنبيات، يشعرن بمشاعر غامرة بعد الولادة وكن يضممن الأطفال إلى صدورهن ويرضعنهم حتى قبل قطع الحبل السري للمولود، ثم يهمسن بعض كلمات بعربية مكسرة في آذان المواليد.

قبل الأزمة السورية، كانت أم علاء في كثير من الأحيان تستخدم العقاقير التي تساعد في ارتخاء عضلات الحوض وتسهيل الولادة، لكن الدواعش كانوا يمنعونها من استخدام تلك العقاقير، ما كان يؤدي إلى معاناة كثير من النساء من آلام المخاض عشر ساعات أو أكثر.

كان الدواعش يرون بأن تلك العقاقير لا تنسجم مع الدين الإسلامي، ويقولون إن المرأة التي تعاني أكثر من آلام المخاض، سيزيد جزاؤها عند الله، وكانت النساء يطعنهم في ذلك.

في ظل الحكومة السورية كانت خدمات التوليد تقدم للأمهات مجاناً، لكن داعش ولزيادة عائداته فرض رسوماً على تلك الخدمات، ففي حال كانت الولادة طبيعية، كان على الأم أن تدفع عشرين دولاراً للمشفى، وفي حال الحاجة إلى عملية كان عليها أن تدفع خمسين دولاراً. لكن مسلحي داعش لم يكونوا يثقون بكوادر المشافي، وكانوا يلجأون إلى قابلة كأم علاء يستطيعون مراقبتها بأنفسهم.

توجد على باب دار أم علاء لوحة كتب عليها "المولدة سميرة النسر – أم علاء"، وعلى اللوحة آثار ثلاثة عيارات نارية، تدل على معركة تحرير المدينة من قبل قوات سوريا الديمقراطية والحلفاء، وكانت معركة شرسة دامت أربعة أشهر.

قبل سقوط الرقة في العام 2014، كانت أم علاء في أثناء أداء عملها تصدر الأوامر ولا تتلقاها، لأنها كانت تعرف ما الذي يجب أن يجري في التعامل مع الأم. لكن في ظل حكم داعش، انقلبت الآية، وكان عليها أن تنفذ الأوامر، كما أن مساعدة داعش في زيادة عدد الدواعش "المحليين" كانت تجعل أم علاء تشعر بالسوء.

وتقول أم علاء: "لم يكن أمامي خيار آخر، لم أكن أفعل ما أفعل بإرادتي، ولو تحريتم الصدق كنت أشعر بالخوف والقرف، كانوا يرغمونني على القيام بالعمل".

تذكر أم علاء جيداً طرد جارهم الكوردي من داره في العام 2014 وإسكان داعشي كيني مع زوجته وأبنائه الثلاثة وكنته الألمانية في دار تلك العائلة الكوردية. كان هذا الكيني يدعى "أبو وليد" وكان مسؤولاً عن شؤون أرامل مسلحي داعش اللواتي جمعوهن في مكان أطلقوا عليه تسمية "بيت الأرامل".

ويذكر تقرير الجريدة الأمريكية أن أبو وليد عرّف أم علاء وزوجها "حسن همام" بنفسه بعد فترة قصيرة، وأمر أم علاء بزيارة بيت الأرامل، فحاولت أم علاء وزوجها التملص، لكن بدون جدوى. في بيت الأرامل، إلتقت أم علاء بسعوديات، تونسيات، يمانيات، صوماليات، مغربيات، إيرلنديات، فرنسيات، ألمانيات، روسيات، تركيات، قفقاسيات ونساء من دول وسط أفريقيا أيضاً.

الأمر الذي سبب الصدمة الكبرى وأقض مضجع القابلة الرقاوية، كان عمر الأمهات، فأغلبهن كن قاصرات بين الثالثة عشرة والخامسة عشرة من العمر، وتقول أم علاء إن داعش غير تقاليد المنطقة الخاصة بعمر الزواج للفتيات، ففي ظل داعش كان من النادر أن تتخلف فتاة سورية عن الزواج إلى أن تبلغ الثامنة عشرة.

لا تذكر أم علاء عدد عوائل داعش التي ساهمت في توليد أطفالها، لكنها لا تنسى أبداً حالة الولادة الأخيرة التي جاءت في خضم معركة تحرير الرقة. انتهت معركة تحرير الرقة في تشرين الأول 2017، وفي ذلك الوقت تماماً، أبلغ مسلح صومالي أم علاء بالذهاب إلى بيته لمساعدة زوجته اليمانية على الولادة.

تقول القابلة، إن السيدة لم تكن تعاني آلام المخاض فحسب، بل كانت رأسها تنزف أيضاً، وقد أخبرها الداعشي أنه لغرض النجاة من الضربة الجوية للحلفاء اضطر لقيادة دراجته النارية بسرعة كبيرة، فسقطت الأم من على الدراجة، وطلب من أم علاء مساعدة زوجته على وضع حملها بدون أن تلتفت إلى الجرح الذي في رأسها.

تعتقد أم علاء أن الله انتقم منها على مساعدتها لعوائل داعش، فأخذ منها ابنها علاء، الذي توجه إلى واحدة من المباني في شهر تشرين الأول، لمساعدة الجرحى، وهو لا يدري أن المبنى سيكون هدفاً للقصف بعد دقائق معدودة، فقتل علاء البالغ من العمر أربعين سنة، وتقول أم علاء التي زرعت الفرحة في قلوب آلاف الأمهات على مدى أربعين سنة إن "جرح قلبي عميق عميق".


تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب