رئاسيات فرنسا... ولادة جديدة ؟ (6)

17-03-2017
حسين عمر
الكلمات الدالة حسين عمر مقال رئاسيات فرنسا الانتخابات
A+ A-

 قبل 38 يوماً على انطلاق الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية ( 23 أبريل)، لم يحصل أيّ اختراق كبير على لوحة التوقّعات التي تُظهرها مؤسسات الاستطلاعات. وفق أحدث استطلاع للرأي أجرته مؤسسة " إيفوب" (17 مارس) لصالح " باري ماتش" ومؤسسات إعلامية أخرى، لا تزال مارين لوبن، زعيمة الجبهة الوطنية تتربّع على صدارة القائمة بنسبة (26.5%) بفارق نصف نقطة عن مانويل ماكرون زعيم حركة إلى الأمام (الناشئة)  (26) والتي تضع نفسها في موقع الوسط الليبرالي بعد انفصال زعيمها عن الحزب الأشتراكي. 
   
فيما لايزال فرانسوا فيون مرشّح الجمهوريين الذي يمثّل اليمين والوسط وبونوا آمون، مرشّح الاشتراكيين وممثّل الجناح اليساري في الحزب، يحتلان المركزين الثالث والرابع على قائمة نتائج الاستطلاع بنسبة (18) و(13.5%) على التوالي. 

ففي حين استطاع فرانسوا فيون، بعد تمسّكه الحازم بترشّحه وخطاب "تروكاديرو" في باريس والذي حضرته حشود غفيرة، واعلان (خليفته المحتمل) آلان جوبيه موقفه القطعي في عدم العودة إلى الترشّح، استطاع أن يعيد ترميم جبهته السياسية وأن يستعيد حليفه اتّحاد الديمقراطيين والمستقلين (الوسط)، إلا أنّه لم يفلح حتى الآن في التغلّب على آثار الملفات القضائية بشأن قضايا فساد تتناوله.

وفق نتائج الاستطلاعات هذه، تتّجه تحليلات وآراء المختصين والمتابعين للشأن الفرنسي نحو توقّع حدوث تغيّر كبير، بل وجذري في النظام السياسي الفرنسي المستقرّ طيلة حقبة الجمهورية الخامسة القائم على تداول السلطة بين ثنائية الجمهوريين/ الاشتراكيين لصالح التيارات الشعبوية المتمرّدة على مؤسسة النظام السياسي السائد. يقول الخبير السياسي في معهد "بولينغ فوكس" لاستطلاعات الرأي، جيروم سانت ماري: " إننا نصل إلى نهاية نظام سياسي بدأ في الثمانينات من القرن العشرين وتمثّل، على مدى ثلاثين عاماً، بتناوب شبه منهجي بين اليسار واليمين على الحكم."

هذا التخوّف من تصاعد المدّ الشعبوي يندرج في إطار لوحة تتجاوز فرنسا وتشمل كلّ أوروبا والعالم الغربي. حيث بدأ باستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتّحدة الأمريكية واقترن بتصاعد شعبية التيارات اليمينية المتطرفة في بلدان أوروبية عديدة.

لكنّ الأخبار السعيدة جاءت من هولندا، حيث خابت التوقّعات بفوز حزب اليميني غيرت فيلدرز في الانتخابات البرلمانية (15 مارس)، واستطاع الحزب الليبرالي بزعامة رئيس الوزراء مارك روته أن يأتي في المقدّمة ويحصد (31) مقعداً (وفق النتائج الأولية). تُعتَبَر هذه النتائج الهولندية أخباراً سعيدة لكلّ أوروبا وخاصّة لفرنسا المقبلة على الانتخابات الرئاسية (23 أبريل و7 مايو) ولألمانيا المقبلة على انتخابات تشريعية اتحادية ( سبتمبر 2017).

في هولندا كان لما يمكن تسميته (انتفاضة الناخبين) دورٌ كبير في قطع الطريق على فوز اليمين المتطرف، إذ بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الهولنداية 81%، وهي الأعلى في الانتخابات الهولندية منذ 30 عاماً، مقابل 74.6% في انتخابات الدورة السابقة (2012).

في فرنسا، إذا كانت مصائب فرانسوا فيون تصبّ نسبة من الأصوات في رصيد مارين لوبن، فإنّ إيمانويل ماكرون يستمر في قضم رصيد الاشتراكي بونوا آمون. فبعد أن أفصح قادة بارزون في الحزب الاشتراكي عن إمكانية تصويتهم لماكرون، أثار التصريح الأخير لمانويل فالس، رئيس الوزراء السابق الذي يقود الجناح اليميني في الحزب الاشتراكي، بأنّه سوف لن يمنح توقيعه لآمون، أثار هذا التصريح تكهّنات بإمكانية إعلان فالس دعمه لماكرون، على الرغم من أنّ فالس نفى ذلك عبر مقرّبين منه.

ما لم تحدث هبّة انتخابية تنقل فيون إلى جولة الإعادة، أو يحدث تحوّل في خارطة المرشحين اليساريين، كأن ينسحب اليساري الراديكالي جان لوك ميلنشون لصالح آمون، الأمر الذي قد يمنح هذا الأخير فرصة اجتياز امتحان الجولة الأولى، ستكون فرنسا، بدءً من السابع من شهر مايو المقبل، أمام مشهد سياسي جديد ومغاير. هل سنشهد ولادة نظام سياسي جديد؟ بل هل سنشهد ولادة الجمهورية السادسة؟ وحده السابع من مايو سيكشف الجواب!   

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الاعلامية.

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب