كونوا واقعيين.. أطلبوا الحقيقة بالحوار

25-06-2019
علاء الدين آل رشي
الكلمات الدالة علاء الدين آل رشي مقال
A+ A-


برنامج "قراءة ثانية" الذي يعرض كل يوم أربعاء على شاشة التلفزيون العربي من إعداد وتقديم أ. علي السند، محاولة جادة لَم تحاول خداعنا بشجار يتقنع بالحوار.

البرنامج مخصص للإجابة عن إشكاليات معرفية تحتمي بالمقدس، ولكنها تلقي بظلالها في الواقع وتجلياته غير المتوازنة، البرنامج هادئ مفيد تابعت حلقاته المتميزة والتي تستجر العقل للتفكير.

في أولى حلقاته كان النقاش حول مفهوم الدولة في الإسلام باعتباره السؤال الأكثر جدلاً وتعقيداً وهو أول أسئلة النهضة قبل الحريات والمرأة وحتى قبل الخبز اليومي، خاصة بعد سقوط الخلافة العثمانية وتعدد التأويلات للدولة وتعريفاتها، دينية كانت أو علمانية، وأي دولة هي دولة الإسلام.

وفي الحلقة الثانية كان النقاش حول إحدى المواضيع الشائكة التي اختلف حولها الفقهاء في العالم الإسلامي عبر التاريخ، وهي إقامة حد الرجم، وناقش المتحاوران أبرز الآراء الفقهية المتعلقة به خاصة بين من يتشبث بوجوبه وبين من يرفض إقامته بدعوى أنه حد تعزيري يمكن التخلي عنه إذا ارتأى المشرّع.

ولفت نظري في البرنامج تلك الإضافات الرصينة التي قدمها الباحثان رائد السمهوري وعصام تليمة.

المعرفة المتكلسة محض موروث وجدران عزلة نضفي عليها قداسة التاريخ ورهبة السلطة وامتياز الخصوصية لتتحول إلى ديانة فوق الدين.

قراءة ثانية لا... لا مكان لبرج عاجي ولا إمكانية لأحادية الرأي ولا يعوزونا منصات تشهير ولعن وتكفير كي نسور المقدس بالرعاية، فقط نحتاج إلى إعمال العقل كي نتملك الرشاقة الفكرية وتمارين التسامح. وحده العقل وبراهينه والسؤال ومشروعيته يعلمنا أن الإنسان هو غاية الديانة، والديانة يرعاها العقل كلما فهم أنه ثمة قراءة ثانية هناك. من الحمق أن نعتمد قراءة أولى ونلوك مفاهيمها، مسمياتها، ومرادفاتها.

فالبؤس كل البؤس هو أن نعجز عن صنع قراءة ثانية في مقابل تلك القراءة. فكل عجز عن البناء يجعل من القديم ينبعث من رماده، ليُلزمنا، ويبدع سلطة جديدة تكبلنا، ما دمنا عاجزين على صنع عوالمنا.

أزمتنا هي أزمة مفهوم بائس، أو قراءة أولى تتعنت في إضفاء القدسية عليها والتخوين لسواها في قراءة تملك حق الخلاص فنقع في الرهق وعدم الإخلاص، قراءة تدنس سواها وترتفع بحمقها علينا فتمنع القراءة الثانية.

قراءة ثانية ستفتح البصيرة على أن أكذوبات كثيرة تتلقفنا وتمكر بنا على أساس أنها ركائز بنيان منطقنا السليم، وما هي إلا خدع صنعناها، خدع نربي أذهاننا، وأذهان نسلنا على أن فيها الخلاص، وبها يكون سواء السبيل، فيصير اللاعدل، واللاسلم، واللاحرية هو ما يهددنا في غياب المؤسسات، ولا إنسان في الأفق ما دامت ليست هناك جدران تحتويه وقراءة ثانية تمهد لقراءة ثالثة.

من هنا سنكتشف أنه يلزم لكل عصر قاموسه، ولكل عالم جديد معجمه، وبالمعاجم تحيى العوالم، كل العوالم، وما تاريخ البشرية سوى ذاكرة قواميس ومعاجم، يصحح بعضها بعضاً، ويشطب بعضها على البعض الآخر هذا هو دور القراءة الثانية.

فلا معنى مثلاً لنص مقدس يحكم بفهم واحد مضى، لا معنى لرهن الدين والوعي لمدارات خارج الزمن والمكان فيقع الدين نفسه في محيط ضيق من المدارات القاتلة التي تدعي وصايتها.

نريد قراءة ثانية ترادف الحياة والأمل، قراءة تفك شيفرة النص وتترحم على الفقهاء دون أن تحولهم إلى معصومين أو أضرحة يدار حولها.
لا معنى لأن يبقى النص الديني ملزماً بقراءة أولى مادام ثمة إمكانية لقراءة ثانية.

التحيز لقراءة واحدة سيمنح من يتلو تلك القراءة حق إدانة الآخرين.

لو رأينا العالم بمنظار القراءة الثانية سنطارد أصحاب فكر المؤامرة. لا أعرف لماذا أجد نفسي وكأني أريد الصراخ بهذا الشعار لكل من أراد أن يغير شيئاً في هذا العالم، لكل من حلم بثورة جارفة، أو بمجرد تغيير بسيط. عليك بالقراءة الثانية.

أن تحلم بالاعتدال أن تمارس الثورة أو تخوض التغيير هذا يلزمك أن تصنع عالماً جديداً، عالماً لا يشبه ما مضى، أو بالأحرى ما تريده أنت أن يمضي، عليك أن تقطع مع البعض فكرة لا قراءة ثانية.

لكم هي حزينة بعض معارك الأمس القريب في بناء حوار مبني على التجهيل أو قراءة أولى بلا نقاش ولا تفكير.

ينصحنا العلامة الإمام الكوردي سعيد النورسي: أنه إذا تعارض العقلُ والنقلُ، يعدّ العقلُ أصلاً ويؤوّل النقل، ولكن ينبغي لذلك العقل أن يكون عقلاً حقاً. وقد فعل ذلك الفقهاء والعقلاء بتوسيع أفق الممكنات، توسيع كل الأفق، وهذا دور قراءة ثانية.

لاشك أن الظروف التاريخية والجيوسياسية التي رافقت ظهور البرنامج واختيار محاور ذكي ومواضيع حساسة تعيدنا إلى قراءة سابقة كان قد قالها الإمام سعيد النورسي وهي أن مقاصدَ القرآن الأساسية وعناصرَه الأصلية المنبثة في كل جهاته أربعةٌ: إثبات الصانع الواحد، والنبوة، والحشر الجسماني، والعدل. ولعل قراءة ثانية تدعو إلى ذلك كله وفق قيمة غابت في غالب القراءات السابقة وهي العدل.

 هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له أي علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية‬‬‬.

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

شيروان الشميراني

أحداث البرلمان وتعمد التعطيل

أن يحدث الاشتباك والمناوشات بالأيدي والكراسي داخل القاعات لاسيما في مجلس النواب وعند تمرير المسائل الحساسة، أمر معروف مشهود على المستوى العالمي، أن يحدث الكسر في الرؤوس يدخل في باب القبول أيضاً لأنه كسر أهون من كسر بالإطلاقات والقنابل اليدوية، لكن ان تكون المناوشات مبرمجة وبقصد التعطيل لأن النتيجة لا تساير هواك، فهذا خارج النيات الصافية والعمل المخلص الجادّ.