ضابط في النظام السابق يروي لرووداو تفاصيل إعدام محمد باقر الصدر

30-05-2023
الضابط بمديرية الأمن العامة في النظام السابق صباح الحمداني
الضابط بمديرية الأمن العامة في النظام السابق صباح الحمداني
الكلمات الدالة محمد باقر الصدر صدام حسين
A+ A-
رووداو ديجيتال 

كشف الضابط بمديرية الأمن العامة في النظام السابق، صباح الحمداني، تفاصيل إعدام المرجع الديني محمد باقر الصدر وشقيقته. 
 
وقال الحمداني خلال برنامج (پەنجەمۆر = بصمة) على شاشة شبكة رووداو الإعلامية، إن الصدر اعتقل مرتين في أقل من شهر وبقي في المرة الثانية "يومان أو ثلاثة قيد التحقيق، وبحسب ما سمعت من ضباط التحقيق، فإن فاضل البراك لم يكن يؤيد إعدام الصدر، واتصل مرتين بصدام حسين من أجل العدول عن قرار إعدام الصدر ولم يتمكن من ذلك، وأخبروهم بإنهائهما في الشعبة الخامسة، وقد تم ذلك عبر إطلاق طلقة في رأسه وأخرى برأس أخته"، مؤكداً ان مكان دفنهما "سري"، على حد قوله. 
 
وأدناه نص الحوار: 
 
كاوة أمين: في هذه الحلقة سنركز على مهام السيد صباح في مدينة النجف، خصوصاً أنه كان على إطلاع على تحركات المرجعية الشيعية لفترة طويلة من الزمن ومراقبة أنشطتها من قبل الأمن العراقي. سيد صباح قلت إن السيد الخوئي لم يكن يريد فتح موضوع الحرب العراقية الإيرانية معه. لكن هل شعرت أنت بأنه يتعاطف مع إيران في تلك الفترة؟

صباح الحمداني: الله أعلم بالقلوب.. 
 
كاوة أمين: ألم يكن يصدر عنه أي شيء يرتبط بمشاعره تجاه إيران؟

صباح الحمداني: لو كنت في مكانه لأيدت بلادي، إيران بكل تأكيد، لكنه كمرجع كان مسؤولاً عن الشيعة كافة من العراقيين والعرب والكورد وغيرهم.. 
 
كاوة أمين: هذا صحيح، لكن هل كنت تلمس عنده أي مشاعر من هذا النوع؟

صباح الحمداني: كلا. لم أكن أشعر بأنه متعاطف بأي شكل ولا حتى أولاده مع إيران. 
 
كاوة أمين: كما أسلفنا، كان السيد علي السيستاني أيضاً متواجداً في النجف في تلك الأيام. فهل كانت له أي مكانة دينية حينها؟

صباح الحمداني: بالطبع لا، لم يكن له مقام سوى أنه أحد المجتهدين الدارسين في الحوزة، عدا ذلك، عندما توفي السيد الخوئي لم يصبح السيد السيستاني المرجع الأعلى وإنما السيد عبد الأعلى السبزواري هو من أصبح المرجع الأعلى، وجمعتني بالأخير علاقة شخصية خاصة وقوية، لقد كان أكثر رجل دين منفتح وهو حل محل المرجع الخوئي رسمياً، والذين حاربوه هم أولاد السيد الخوئي، وألحّوا على أن يكون المرجع الأعلى هو السيد علي السيستاني، وبقيوا في صراع خلال تلك الفترة، لكن المرجع الأعلى هو السيد عبد الأعلى السبزواري، إلا أنه توفي وفاة طبيعية بعد 6 أشهر من تقلده المرجعية، وبعد وفاته دعم أولاد الخوئي السيد السيستاني وأصبح المرجع الأعلى.
 
كاوة أمين: ألم يكن حزب البعث يلعب أي لعبة تمس العلاقة بين هذه العوائل؟

صباح الحمداني: خلال فترة تواجدي، كنت ألتمس الغباء المدقع في التعامل مع المرجعية وعلماء الدين، والشاهد على ذلك أنني أخبرت ذات مرة مدير الأمن أن السيد الخوئي يهدد بالمغادرة فردّ بـ "خلي يروح يولّي"، لذا من الخطأ أن يكون هذا الشخص مديراً للأمن، فلو أن السيد الخوئي خرج فعلاً وانتشرت الإشاعات لأحدث خللاً في النجف، خصوصاً بعد إعدامات ولد الميلاني ومحمد تقي الجلالي، أي أن هؤلاء الأغبياء حكموا في وقت غير مناسب، وولّدوا لنا عداوات.
 
كاوة أمين: وكيف كانت الأجهزة الأمنية تنظر إلى علي السيستاني؟

صباح الحمداني: السيد السيستاني كان مغموراً، وليس لديه بعداً دينياً في النجف آنذاك. وأقولها لأول مرة على رووداو، أقمت علاقة صداقة مباشرة مع السيد محمد علي الحمامي والذي يعد أحد مرجعيات العرب، وكان ابنه دكتوراً لدينا في النجف وعروبياً ومجتهداً ولديه دروس دينية كما كان يصلي إماماً في  الحضرة العلوية، تواصلت مع السيد محمد علي ورفعت تقارير حول أفكاره وعروبته بعلم ابنه، وأدركت أنه من الممكن أن يقودنا إلى عملية الحوزة العربية بشكل غير مباشر، لكنه كان يريد أن يكون بعيداً، وهذه المعلومات كانت ترفع إلى الأمن العامة، ويطّلع عليه كثيرون من بينهم مدير الشعبة الخامسة الخاصة المختصة بالمرجعية، وبأحد الأيام جاءنا العقيد سعدون يريد اللقاء بالسيد الحمامي، علماً أنه لا يجوز أن يطلب لقاء بشكل مباشر دون تمهيد مسبق، وعقدنا له لقاء مع السيد الحمامي لكنه خرّب كل شيء، لأنه وجه تهديداً بشكل غير مباشر إلى السيد الحمامي الذي اعتبرها تهديداً صريحاً وانقلب رأساً على عقب وقطع التواصل معي حتى، وأغلق المدرسة واعتزل كل شيء بسبب الضغط الأمني، وهذا مثال عن مقدار غباء المنتسبين للأجهزة الأمنية.
 
كاوة أمين: سبق وأن تحدثنا قليلاً عن محمد باقر الصدر. لنعد إلى نفس الموضوع، لماذا قتلوه، وأظن أنه لم يكن الوحيد، بل قتلوا أخته أيضاً، ماذا كان السبب؟

صباح الحمداني: باختصار لأن القضية عميقة، لم أكن موجوداً إلا أنني سمعت كافة تفاصيلها من المنفذين، وذلك قبل 3 أشهر من نقلي، ولم أكن أملك بيتاً في النجف حينما نقلت إلى هناك، لهذا كنت أنام في دور الضباط وتحدثوا لي عن قصة مقتل السيد الصدر، وقد سمعت ذلك من فم الضابط المنفذ ومرافقه شخصياً، علماً أن قسماً من الأخوة الشيعة يشكك في هذه الراوية ويقول إنها غير صحيحة. 
 
كاوة أمين: وما هي القصة التي عندك؟

صباح الحمداني: سمعت من دافني السيد محمد باقر الصدر، وهما اثنان قتلا في العام 1991. بعد انتصار الخميني في إيران راودته نفسه أن يحقق ذات الانتصار في العراق، وأخذ ببعث رسائل بطرق مختلفة إلى السيد الصدر لثورة الناس، والحصار على السيد الصدر كان حصاراً أمنياً محدوداً وإزعاجياً وليس شديداً كما يزعم البعض،  فيما كان هنالك تواجد أمني في المنطقة التي يتواجد فيها السيد الصدر، مع مرور الزمن وردت برقية من الخميني يطلب منه البقاء، بعد سماعه بأن السيد الصدر ينوي المغادرة، بمعنى أنه سوف يستلم الثورة الإسلامية العراقية، وصدام حسين كان يقرأ ما يدور في الأخبار بعد بثها في الإذاعات، فضلاً عن أن السيد الصدر كان من مؤيدي الخميني والتصدي، والتي كانت مناوئة لفكر السيد الخوئي في أن ينتظر الشيعي المهدي المنتظر، لكن السيد الصدر أيد الخميني في مسألة التصدي، أي آمن أن عليهم العمل إلى أن يأتي المهدي وتسليمه الراية، وهذا شكّل خطراً على النظام، لذا قرر اعتقاله، وأخذوه إلى بغداد في الشعبة الخامسة بالأمن العامة، واعتقل اعتقالاً أولياً وذهب إليه مدير الأمن العامة أكرم سعيد وأخذوه من المنزل باحترام، وبقي في بغداد عدة أيام، خلال هذه الفترة أقامت أخته بنت الهدى الدنيا ولم تقعدها وهددت بأنه إذا لم تطلقوا سراحه يوم غد، ستخرج التظاهرات في الكاظمية وكافة المدن الشيعية، وفعلاً استجاب البعض وخرجت تظاهرات في الكاظمية والنجف التي قمعت طبعاً، وكذلك البصرة وكربلاء، وتمكنت أخته من تهيئة الناس إلى التظاهرات.

كاوة أمين: أي أنهم كانوا يمتلكون القوة والجماهير؟

صباح الحمداني: أكيد، كانت شخصية الصدر طاغية في المنطقة آنذاك، حتى على مرجعية الخوئي خاصة عند العرب. وأعطت التظاهرات صورة بأن السيد الصدر من الممكن أن يحدث مشكلة كبيرة للنظام في تلك الفترة التي انتصر فيها الخميني في إيران، وخوفاً من التظاهرات أطلق النظام الصدر وأعادوه إلى مكانه في أقل من أسبوع على اعتقاله، ومسألة حصاره كذب، ولم يطبق عليه أي حصار لأن كافة الشيعة من تلعفر إلى البصرة وأبو الخصيب أرسلوا وفوداً بعشرات الأشخاص لتهنئة السيد الصدر بالخروج سالماً، وكنت في أمن الأقضية بالموصل آنذاك وكانت تردنا برقيات معلوماتية حول الأشخاص وأرقام السيارات التي كانت قد وفدت لزيارة السيد الصدر، وجاءنا تعليم بإرسال وكلاء كي يكونوا ضمن الوفود التي تذهب للتهنئة، لسماع ماذا يدور، وأرسلتُ أناساً من الشيعة إلى النجف لزيارة السيد الصدر وعادوا بشكل طبيعي في ظل مراقبة الأجهزة الأمنية، وهذا الإشعاع الذي  أحاط بالسيد الصدر أثار جنون صدام حسين، فاتخذ هو وفاضل البراك قراراً جديداً بإلقاء القبض عليه مجدداً، لكن بصحبته أخته التي أثارت مشكلة التظاهرات في المرة الأولى، وقام مدير الأمن بعد حوالي أسبوع، يوم 5 نيسان، باعتقاله مرة ثانية.
 
كاوة أمين: كم مر من الوقت على ذلك قبل أن يُقتل؟

صباح الحمداني: بقي يومان أو ثلاثة قيد التحقيق، وبحسب ما سمعت من ضباط التحقيق، فإن فاضل البراك لم يكن يؤيد إعدام الصدر، واتصل مرتين بصدام حسين من أجل العدول عن قرار إعدام الصدر ولم يتمكن من ذلك، وأخبرهم بإنهائهما في الشعبة الخامسة، وقد تم ذلك عبر إطلاق طلقة في رأسه وأخرى برأس أخته، ونقلوا أقوال السيد الصدر أثناء التحقيق التي قيل إنها كانت إيجابية، وفق ما نقل المتواجدون في التحقيق ضمن الشعبة، وهم مدير الأمن أكرم سعيد وخيري جميران وسعدون صبري، وأنه خلال التحقيق معه من قبل فاضل البراك قال له كيف لك أن تؤيد هذا الإيراني (الخميني)، وأيد الصدر هذه الفكرة وأكد أن ينأى بنفسه عنه. 
 
كاوة أمين: هذا يعني أنه تراجع عن مواقفه؟

صباح الحمداني: نعم، لأنه رأى أخته متواجدة في الغرفة الثانية، ومع ذلك كان مؤدباً مع الأمن وأبدى مرونته في التعاون...  
 
كاوة أمين: إن كان كذلك، فلماذا قتلوه؟

صباح الحمداني: لأنه أصبح إشعاع ثورة، فإذا لم يقتل الصدر اليوم، ستعم التظاهرات بعد فترة في عموم العراق، لذا تقرر قتل الصدر ودفنه في مكان سري، وبهذه الفترة نظراً لعدم معرفة مصيره الحقيقي بقي الناس ساكتين. 
 
كاوة أمين: تظاهروا عندما تم اعتقال الصدر. لكن ما الذي منع تكرار رد فعلهم هذا عندما اعتقل للمرة الثانية وتم تغييبه؟

صباح الحمداني: لأنهم لا يعملون ماذا جرى. طبعاً قال بعض الكاذبين إنهم جاؤوا بجثته إلى والد محمد صادق الصدر وصلى عليه وغسله ودفنوه، وهذا غير صحيح لأنه لو كان حقيقياً لانقلبت الدنيا في العراق، ويوم مقتل الصدر وأخته طلبوا من المديرية تهيئة قبرين في مكان سري، وبعثوا إلى رؤوساء عرفاء بعثيين في النجف يدعوان حمودي ومحسن، وهما دفانان في النجف وقد أكرموهما أيضاً فيما بعد، وأتت الجثتان ليلاً وتم دفنهما دون دراية من أحد، وهذه القصة الحقيقية التي جرت.
 
كاوة أمين: إذاً ليس من الواضح فيما إذا كانت جثامينهما؟ 

صباح الحمداني: هذه حسب معلوماتي، وإذا أرادوا الحقيقة فبإمكانهم عمل فحص   DNA للجثمان الذي بني عليه المرقد.
 
كاوة أمين: هل تقصد أن القبرين الحاليين ليسا قبريهما؟

صباح الحمداني: لا طبعاً، وفقاً للقصة التي سمعتهما من رؤوساء العرفاء الذين قاموا بدفنهما، لأنني أصبحت ضابطاً عليهما فيما بعد وأخبروني القصة كما هي، كما أنني سمعت القصة أيضاً من النقيب شاكر الذي شارك في عملية الإعدام وجاء بهما إلى الدفن، أي دفنوهما دون علم لأحد وانتهت القصة. 
 
كاوة أمين: ما الذي جعل الأجهزة الأمنية تداهم منزل محمد باقر الحكيم بعد مرور سنة على ذلك؟

صباح الحمداني: كي لا يكشف أنه معدوم، لأن الناس تباينت بين مشكك ومصدق ومكذب للقصة، وغدا بيت السيد الصدر مغلقاً، لذا بقي الشارع  ساكتاً، وهذا ما يؤيد مصداقية ما أقوله. وأنا شخصياً دخلت منزل السيد محمد باقر الصدر بعد مرور أقل من سنة من الحادثة، برفقة المفوض دخيل التكريتي وسائقي عصام الحديثي وفتشنا البيت ورأينا ما فيه وقصة القاصة التي تحدثنا عنها وصادرنا الموجود.
 
كاوة أمين: ألم يغضب الأهالي عندما داهمتم بيته بتلك الطريقة؟

صباح الحمداني: نهائياً، لأن بالدرجة الأولى كان هنالك قمع.. 
 
كاوة أمين: هل ذهبتم علناً أم خفية؟

صباح الحمداني: طبعاً بشكل علني، فتحنا الباب ودخلنا وكان المنزل كما هو، وهذا ما خلق لي مشكلة فيما بعد، حتى أن جهاز الفيديو كان في مكانه، ويتذكر ذلك ابنه جعفر سفير العراق في بريطانيا حالياً. النعماني الذي قام بالتظاهرات وقلب الدينا علينا، ادعى أن 200 رجل أمن اعتقلوا السيد الصدر في المرة الثانية، وقاموا بتكسير الأثاث ونهبوا وخرجوا بعد أن ألقوا القبض على السيد، وهذا غير صحيح لأنني ذهبت للمنزل وكان كل شيء على حاله، حتى المطبخ والثلاجة، لقد كان أثاثهم بسيطاً لأن الرجل كان زاهداً.
 
كاوة أمين: وما الذي حل بأولاده؟ أين كانوا يعيشون حينها؟ أو هل كان يقيم وحده في ذلك البيت؟

صباح الحمداني: بعد الاعتقال، أغلقت العائلة الأبواب وغادرت إلى بغداد، ورأينا القاصة مفتوحة، فمن الممكن أنهم أخذوا منها شيئاً، الله أعلم.. 
 
كاوة أمين: ربما ذهبوا على عجل لدرجة أنهم نسوا إغلاق الخزانة..

صباح الحمداني: ربما، قد يكونوا أخذوا جزءاً من مالهم وخرجوا إلى بغداد لأنهم بالأصل من أهالي بغداد.
 
كاوة أمين: ماذا كان يوجد فيها؟

صباح الحمداني: بدون مبالغة، وسأقولها بكلمة موصلية: "اندلقت علينا الأموال"، وقعت علينا الأموال، لقد كانت القاصة مليئة بأشكال وألوان من العملات الصعبة، بينها الدولار والعملة السعودية والمغربية والبحرينية والروسية والكويتية وغيرها لا نعرف لمن تعود، وكذلك شدات عراقية، إضافة إلى تنكتين من مصوغات الذهب.. 
 
كاوة أمين: ألم يتبيّن في النهاية كيف وصلت تلك العملات النقدية كلها إلى يد السيد محمد باقر الصدر؟ ولماذا كانت العملات متنوعة؟

صباح الحمداني: هو مرجع، وكان يتلقى الحقوق الشرعية، وكذلك السيد الخوئي كان يتلقى، والعرب كان يدعمون السيد الصدر ويمنحونه الأموال لأنه مرجع كبير أيضاً، وكانت بعض رزم الأموال مكتوب عليها أسماء المرسلين على قصاصة، وهي تعود لأناس حتى تبرأ ما بذمتها من زكاة، إذ أن الزكاة عند الشيعة تختلف عن السنة،  وكذلك الذهب مكتوب عليها أسماء. 
 
كاوة أمين: لا شك أنكم أفرزتم الأموال والذهب، هل قدرتم قيمة ذلك الذهب وتلك العملات المتنوعة؟

صباح الحمداني: حينما رأينا الأموال على هذه الشاكلة، أخبرني المفوض التكريتي أن نجمعها ونذهب بها في كيس إلى المنزل ونتقاسمها، فرفضت ذلك، وأخبرت المديرية بأن يأتوا رفقة ضباط وسيارات إلى منزل السيد محمد باقر الصدر فوراً لأن فيه شيئاً مهماً جداً، وأتوا إلى المنزل وحملنا كل شيء إلى مديرية الأمن، وجلبوا موظفين من المالية من أجل فرز العملات وقاموا بذلك بحيث أن قسماً من الأموال استعصب عليهم معرفة عائديتها. 
 
كاوة أمين: وهل عرفتم مجموع المبلغ بصورة عامة؟

صباح الحمداني: يمكن أن أقدرها وفق الظرف الحالي بـ 100 مليون أو ربما 50 أو 70 مليون، لكن يجب أن يتم قياسها بالعملة الصعبة في ذلك الوقت لأنه سيكون هنالك فرق حتماً.
 
كاوة أمين: حسناً، إلى جانب المال والذهب، هل كان يوجد في تلك الخزانة كتب أو أي وثائق سرية؟

صباح الحمداني: لا توجد أي وثائق في القاصة، والوثائق التي أخذناها كانت موجودة على المكتب، على منضدته شبه العرضية، وكان الصدر يجلس في الصدر، وفي يمينه نافذة بطول متر ونصف متر، يطل به على الزقاق.
 
كاوة أمين: عندما كنتم تفتشون بيته، هل عثرتم على أي وثائق سرية؟

صباح الحمداني: كافة الأوراق والكتب فرزت في المديرية من قبل متخصصين ولم يجدوا أي شيء غير طبيعي، لقد كانت عبارة عن كتابات دينية وإجابات ورسائل واستفتاءات فقط، كما أرسلت الأموال إلى المالية والذهب أرسل إلى دائرة خاصة بالذهب.
 
كاوة أمين: لكن تلك عائدية تلك الأموال كانت للمرجعية، ألم تطالب المرجعية بإعادتها إليهم؟

صباح الحمداني: مرجعية السيد الخوئي ليست لها أي علاقة بمرجعية السيد الصدر. 
 
كاوة أمين: أي أن تلك الأموال عدّت أموالاً خاصة له وأن الدولة صادرتها؟

صباح الحمداني: نعم، وسأله أولاده عن كمية الأموال الهائلة، وقد ذكر ذلك في أحد الكتب الشيعية مثل السيد الحائري، أن ابنة له سألته عن هذه الكمية من الأموال، فقال إنها لصاحب الزمان ونصرفها في مرجعياتها ومكاناتها وليس وفق مزاجنا. وقد علّم أولاده على الزهد.
 
كاوة أمين: في الفترة التي كنت خلالها في النجف، هل كان لإيران أي حضور في النجف كدولة وكلغة وكتراث؟

صباح الحمداني: من خلال المراجع فقط، تشعر بحضور إيراني قوي في المحافظة.
 
كاوة أمين: هل كانت اللغة الفارسية متداولة على سبيل المثال، هل كانت الناس تتحدث الفارسية؟

صباح الحمداني: لا، غير موجودة أصلاً وغير متداولة، لكن يمكن أن يتكلم أولاد المرجعية فيما بينهم بالفارسي، كما عائلة الخوئي. 
 
كاوة أمين: هل كانت هناك حينها حرية في مجال ممارسة المراسم الدينية الشيعية؟ هل كان بإمكان الأهالي إحياء مراسمهم الدينية بحرية؟

صباح الحمداني: أغلب الطقوس كانت مسموحة، والتي هي المشي والركضة والمشي من النجف إلى كربلاء ودق المقتل في البيت والحسينيات، لكن كان يمنع اللطم والضرب بالشفرات والطور، إلا أنه كان يجب الحصول على موافقة الأمن لإحياء الشعيرة في حسينية، لكن الطقوس الغريبة والمستهجنة والتي يرفضها قسم من علماء الشيعة كانت ممنوعة.
 
كاوة أمين: هل كان عناصر الأمن أولئك منهم، من شيعة المحافظة، أم جاؤوا مثلك من محافظات أخرى؟

صباح الحمداني: من الجميع، لكن الأكثرية الضباط من السنة، وكان هنالك شيعة، مثل مدير أمن النجف عمران موسى مظلوم في العام 1980، إلا أنه كان أقسى على الشيعة من السنة.
 
كاوة أمين: بعد كل تلك السنين. لو أجريت الآن وبنظرة أيامنا هذه، تقييماً لتصرفات وسياسات الحكومة العراقية في النجف حينها، كيف سيكون تقييمك لها؟

صباح الحمداني: الدولة كانت تتدخل فيما لا يعنيها، وشخصياً كنت أرغب أن تعمل المرجعية كما تريد، العمل في دراستهم ودينهم كما يشاؤون، ولو حدث ذلك لما أعدم مئات الناس بناء على أكاذيب.
 
كاوة أمين: وكيف كانت الحياة اليومية للنجفيين في تلك الفترة؟ هل كنتم تشعرون بأن الأهالي يعيشون تحت ظل الخوف والقلق؟

صباح الحمداني: بشكل عام، في تلك الفترة كانت الأمور جيدة، لا بأس بها، لكن المشاكل ظهرت في الثمانينات مع بداية الحرب، وشخصياً كنت أتجول في النجف دون سلاح في غالبية المرات، لثقتي بنفسي وعلاقتي الطيبة مع الناس، علماً أن ضابطاً قتل خلال مشيه في النجف، وهو الملازم رسم الحديثي.
 
كاوة أمين: من الذي قتله؟ وهل كان الدافع سياسياً؟

صباح الحمداني: طبعاً، قد تكون إحدى المنظمات، كحزب الدعوة، أو ربما هو كان مؤذياً أو طعن بشرف أحدهم، لذا أخبرونا بتوخي الحذر، إلا أنني كنت أزور الإمام علي وأصلي وأقرأ عليه الفاتحة دون أي مشكلة تذكر.
 
كاوة أمين: كان الإمام الخميني متواجداً في النجف لفترة، هل كان تواجده بناء على موافقة الحكومة العراقية؟

صباح الحمداني: ما لمسته في النجف، أن أهل النجف كانوا يكرهون الخميني وسمعته كانت غير جيدة، لأنه كان متعالياً ومتعجرفاً لا يلقي السلام، وقليل الحركة ويسكن في أزقة ضيقة على عكس الخوئي.

كاوة أمين: ولكن الخميني لم يكن مرجعاً..

صباح الحمداني: نعم، لكنه كان مرجعاً سياسياً قوياً يتقوى به الإيرانيون ويتقربون منه.
 
كاوة أمين: وكيف كانت علاقته مع الحكومة العراقية؟ فقد كان تواجده في النجف بناء على موافقة الحكومة العراقية..

صباح الحمداني: طبعاً، كانت لديه علاقات جيدة عبر ابنه الذي نسق العلاقة مع المخابرات والأمن وكذلك كانت لديه علاقات مع بختياري وهو من كبار ضباط جيش اللاجئين في العراق، ومنح قصراً من قصور الرئاسة في بغداد وأعطاه النظام قيمة، وكان مسؤولاً عن العلاقات وساهم في إطلاق سراح أناس معتقلين.
 
كاوة أمين: طيب، يقال إنه كانت هناك خطة لقتل الخميني. من الذي كان يريد قتل الخميني؟

صباح الحمداني: لأول مرة تسمعونها على رووداو، كان مدير الأمن صروح نجرس المقيم حالياً في الإمارات كلاجئ، وصرح لي شخصياً منذ أن كان في بغداد، أنه كلّف باغتيال الخميني وأعدّت العدة لهذا الأمر من أجل الإجهاز عليه قبل مغادرته النجف، ويقول لي إنه بعد أن وصلوا إلى منطقة الكفل، جاءتنا أوامر من صدام حسين شخصياً بعدم تنفيذ المهمة، وعادوا مستغربين من الأمر، والله أعلم ماذا كان سيحدث لو قتل،  علماً أنه قتله كان سهلاً لأن المخابرات الإيرانية قتلت ابن الخميني في العراق وبالتالي كان بإمكانهم إلصاق التهمة بالمخابرات الإيرانية.
 
كاوة أمين: المخابرات العراقية قتلت ابنه؟
 
صباح الحمداني: لا، المخابرات الإيرانية.  
 
كاوة أمين: قتله الإيرانيون؟

صباح الحمداني: نعم، جماعة السافاك التابعة للشاه، ووصلوا بطريقة ما وقتلوا ابنه.
 
كاوة أمين: هذا يعني أن خطة قتل الخميني من جانب العراق لا بدّ وأن تكون بعلم من صدام..

صباح الحمداني: طبعاً، لا يمكن أن يصدر هذا الأمر سوى من صدام حسين.
 
كاوة أمين: وما الذي جعله يتراجع في اللحظات الأخيرة؟

صباح الحمداني: لا أحد يعلم، قد يجوز أن جاءه أمر من الخارج، الله أعلم، لو نفذ كان أفضل ولألصقت التهمة بالمخابرات الإيرانية وانتهى الأمر، لكنهم يخططون لأمر أكبر، ومن يدري ألا يكون لصدام حسين علاقة بالمخابرات الأميركية، التي قد لم توافق على قتل الخميني وكانوا يعدون العدة لتسليم الحكم في إيران للخميني بعد رجوعه من باريس.
 
كاوة أمين: ليكن هذ سؤالي الأخير: هل كان الخميني على علاقة طيبة مع المرجعية في النجف؟

صباح الحمداني: لا طبعاً.
 
كاوة أمين: لم تكن العلاقة بينهما طيبة؟

صباح الحمداني: لا، كانت مرجعيته متقاطعة مع مرجعية السيد الخوئي، في ظل عدم توافق وعدم تجانس، وعلاقتهما كانت شبه مقطوعة. الخميني كان متكبراً جداً، على عكس بيت الخوئي الذين كانوا متواضعين، فضلاً عن أنهم قتلوا جميعاً، فقد قتل السيد محمد تقي على يد الأمن العراقي وسيد إبراهيم قتل في أحداث عام 1991، والسيد مجيد قتل في النجف بعام 2003.
 
كاوة أمين: وماذا عن الجانب الفكري، أيهما كان الأعلى منزلة؟

صباح الحمداني: طبعاً الخوئي، الذي يعد المرجع الأعلى للطائفة الشيعية في العالم الإسلامي، أما الخميني كان مرجعاً لأؤلئك الذين لديهم فكرة أخرى واختلفوا وهي مسألة التصدي.   
 
كاوة أمين: أي أن الخوئي كان الأول والأخير؟

صباح الحمداني: نعم فعلاً، وكان انساناً نظيفاً ويعمل لمصلحة المسلمين، لست بشيعي ولكني لمست منه ومن أولاده أنه كان شيعياً صالحاً يريد خدمة الناس، ومن المؤكد أن لكل مرجعية أخطاء، لكنني لا أريد الخوض فيها أساساً.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب