اطروحة دكتوراه عن عشائر بارزان ودورها في العراق

11-12-2023
مشتاق رمضان
الكلمات الدالة الملا مصطفى البارزاني اقليم كوردستان العراق ايران تركيا بريطانيا
A+ A-

رووداو ديجيتال

اطروحة دكتوراه عن عشائر بارزان ودورها في العراق للمدة بين 1903 الى 1958، يروي تفاصيلها لشبكة رووداو الاعلامية، مؤلفها الاكاديمي مهند الجبوري، الذي يقول انه تعرض لضغوطات من أجل الغاء الاطروحة، عبر تقارير رفعت من بعض الجهات في جامعة تكريت.
 
مهندي الجبوري، يوضح أن مطالبات عدة ظهرت للمطالبة بالغاء الاطروحة، لأنها تطرقت الى حقبة مهمة من تاريخ الكورد ونضالهم في العراق، مشيراً الى أنه أصر على الاطروحة، وبفعل مساعدة جهات من اقليم كوردستان، تم تمريرها وحصل إثرها على تقدير جيد جداً عن الدراسة.
 
الاطروحة تمت مناقشتها بتاريخ الرابع من تشرين الأول عام 2021، في كلية التربية للعلوم الانسانية بجامعة تكريت، وهي أول دراسة عن التاريخ الكوردي في جامعة تكريت منذ تأسيس الجامعة عام 1993.
 
ويضيف مهند الجبوري أنه تعرض الى مشاكل من قبل بعض الاساتذة بسبب هذه الاطروحة، حيث كتبوا بحقها تقريراً يتألف من أربع صفحات، مطالبين فيها بالغائها.
 
عنوان الدراسة "عشائر بارزان ودورها في العراق 1903 - 1958)، حيث تناولت الفترة العثمانية المتأخرة والعهد الملكي، وهي في الأصل أطروحة دكتوراه في تاريخ العراق الحديث والمعاصر تاريخ كورد العراق، وتضمنت الاطروحة أربعة فصول ومقدمة وخاتمة وقائمة المصادر.
 
يقول مهند الجبوري أن الفصل الاول منها تناول عشائر بارزان حتى عام 1915، أوضح فيها أصل تسمية بارزان وموقعها الجغرافي وسكانها ودور مشيخة بارزان النقشبندية في قيام اتحاد عشائر بارزان، التي تتكون من سبعة عشائر اجتمعت تحت راية مشيخة بارزان، وأصبح كل من ينتمي من هذه العشائر إلى مشيخة بارزان يدعى (بارزاني) أي بارزان ليست عشيرة بل هي عقيدة وفكر. 

 

للاطلاع على الاطروحة اضغط هنا

 
ويوضح مهند الجبوري أن العشائر التي انضوت تحت مشيخة بارزان هي كالتالي: عشيرة شيروان وعشيرة مزوري بالا وعشيرة هركي بناچي وعشيرة گردي وعشيرة نزاري وعشيرة به رووژ وعشيرة دولمري. جمعتهم تواضع شيوخ بارزان وإنسانيتهم وتسامحهم وعدالتهم وقربهم من الطبقة الفقيرة .
 
ظلم الاقطاعيين
 
تناولت الدراسة أيضاً نضال الشيخ محمد البارزاني وعمله الكبير في محاربة الظلم الذي نال الطبقة الفقيرة من ابناء منطقة بارزان، بسبب ظلم الإقطاعيين والآغوات انذاك، ويعد الشيخ محمد البارزاني اول من وضع أسس قيام اتحاد عشائر بارزان. 
 
بعد اتحاد عشيرتي به رووژ ومزوري بالا ضد ظلم الإقطاعيين وبعد وفاته تسلّم الابن الأكبر للشيخ محمد وهو الشيخ عبد السلام الثاني مشيخة بارزان، ويقال له الثاني لتميزه عن جده الشيخ عبد السلام الاول.
 
خاض الشيخ عبد السلام الثاني أول نضال للبارزانيين بعد ان أراد تحقيق العدالة ونيل الحقوق المشروعة للكورد إبان الاحتلال العثماني في وثيقة رفعها إلى السلطان العثماني عرفت في التاريخ (وثيقة دهوك) لذلك شنت القوات العثمانية حملة عسكرية ضد شيخ بارزان الذي أعلن قائلاً (لا قيمة للحياة عندي ولا يرهبني الموت علاقتي منذ الان مع العثمانيين ستكون الحرب والقتال ولتفعل ما تشاء) وجرت عدة معارك بينهما كانت أبرزها معركة پيرس الاولى في تموز عام 1909، حيث تمكن المقاتلون البارزانيون من دحر القوات العثمانية على جبل پيرس، والتي تمثلت بالفيلق العثماني السادس، واستطاع مقاتلو بارزان من أسر ثلاثة أفواج  وأخذ أسلحتهم، من ضمنها أسلحة ثقيلة كالمدافع العثمانية وضرب طوق على أربعة أفواج اخرى، الأمر الذي اربك الوضع العثماني هناك، وكانت هذه اول معركة ينهزم فيها الجيش العثماني النظامي أمام أسلحة البارزانيين. 

 

 
استمرار التوتر في منطقة بارزان
 
أما المعركة الثانية فكانت أقوى من الاولى لاسيما بعد وصول الإمدادات العسكرية العثمانية من إسطنبول ومن الموصل، وكانت نتيجتها دخول القوات العثمانية منطقة بارزان وانسحاب الشيخ عبد السلام البارزاني الثاني واختفائه عن أنظار العثمانيين.
 
بعد قضاء فترة طويلة قرر الشيخ الرجوع إلى بارزان وعند عودته جرت المعركة الأخيرة التي سميت معركة (سري بازي) حيث انتصر مقاتلو بارزان فيها، وعلى ضوئها عاد الشيخ إلى بارزان بعد اصدر ناظم باشا عفواً عن الشيخ في عام 1911، إلا ان الأوضاع ما لبثت ان عادت إلى التوتر بعد وصول والي الموصل الجديد سليمان نظيف في 19 تشرين الثاني 1913 وهو من اشد الناقمين على الشيخ عبد السلام البارزاني، إذ أرسل في بداية حزيران عام 1914 حملة عسكرية كبيرة تساندها مجاميع كوردية مؤيدة للسلطة العثمانية تصدى الشيخ ومقاتليه للحملة، إلا ان الفارق الكبير في العدد والعُدة اضطرّه إلى الخروج من بارزان باتجاه كوردستان إيران، إلا ان الخيانة التي تعرض لها الشيخ من احد ابناء عشيرة الشكاك الإيرانية المدعو صوفي عبد الله الذي استطاع أسره وتسليمه للسلطات العثمانية مقابل مبلغ من المال. 
 
إعدام الشيخ عبد السلام البارزاني
 
تم تنفيذ الإعدام بحق الشيخ عبد السلام البارزاني الثاني في مدينة الموصل في 18 كانون الثاني 1915، وهناك من يقول عام 1914 إلا ان وثائق الأرشيف العثماني اشارت إلى عام 1915.
 
بعد إعدام الشيخ عبد السلام البارزاني، قدّر للشيخ احمد البارزاني ان يتسلم مهام مشيخة بارزان وقيادة عشائرها، وهو في عمر الـ 18 واجه الشيخ في البداية ظروفاً عصيبة جداً، لكن سرعان ما استطاع اعادة الحياة إلى منطقة بارزان وعشائرها. ساند الشيخ جميع الحركات الكوردية المسلحة التي اندلعت ضد الوجود البريطاني، وكان في مقدمتها حركة الشيخ محمود الحفيد عام 1919 وكذلك قاد الشيخ احمد حركة بارزان ضد الاحتلال البريطاني عام 1919 واستطاع تحرير مدينة عقرة لمدة اسبوع واحد. 
 
كما ساند حركة عشائر الكويان والعمادية وغيرها من الحركات التي ظهرت عام 1919 وان من أهم الصعوبات التي واجهت الشيخ احمد هو محاولة الاثوريين السيطرة على منطقة بارزان لتنفيذ المخطط البريطاني في جعل منطقة بارزان منطقة تصورية، إلا ان الشيخ افشل ذلك المشروع عام 1920، وفي عام 1922 ارسل الشيخ احمد البارزاني أخيه ملا مصطفى البارزاني لإنقاذ عوائل الأرمن في الأراضي التركية واستطاع المقاتلون البارزانيون من إنقاذ عائلة اندرانيك باشا وتأمين عبورهم إلى الأراضي السورية، ثم وقف الشيخ مسانداً لقضية الموصل، وأيد انضمامها إلى العراق وهذا يعد من المواقف الوطنية التي يشهد لها تاريخ العراق المعاصر. استمرّ الشيخ احمد البارزاني بموقفه الانسانية والوطنية طيلة مسيرته النضالية حتى توجت بحركات بارزان لعام 1931-1932.
 
أسباب قيام الحركات البارزانية المسلحة
 
تناول الفصل الثالث من الاطروحة حركات عشائر بارزان بقيادة الشيخ احمد البارزاني وضح فيها أسباب قيام الحركات البارزانية المسلحة وموقف العشائر الكوردية والحكومة العراقية والبريطانية ودول الجوار،  ومن الأسباب التي أدت إلى قيام الحركات المسلحة لعشائر بارزان منها مباشرة ومنها غير مباشرة.
 
من الاسباب غير المباشرة، حاولت الاستخبارات البريطانية جاهدة تقليص نفوذ الشيخ احمد البارزاني، نظراً لما يتمتع به من نفوذ ديني ودنيوي واسع بين عشائر بارزان والعشائر الكوردية الأخرى المجاورة لمنطقة بارزان، إذ يشكل نفوذ الشيخ من راوندوز إلى مدينة الموصل فضلاً عن نفوذه الخارجي داخل العشائر الكوردية في ايران وتركيا وسوريا، كما اتهمته الاستخبارات البريطانية باعتناقه الديانه المسيحية وأكل لحم الخنزير وكذلك بقربه من شخصيات باشفية تعمل على نشر الأفكار الشيوعية بين المجتمع البريطاني، لذلك لم تكن كل الاتهامات التي وجّهت للشيخ لها شيء من الصحة، وكانت اغلبها سياسية لا دينية، الهدف منها المساس بسمعة شيخ بارزان احمد البارزاني بسبب موقفه الرافض للوجود البريطاني على الأراضي الكوردية، وسبقها موقفه الرافض للوجود العثماني ايضاً، وان هذه الاتهامات نفيت جملة وتفصيلاً من قبل المعاصرين للشيخ احمد البارزاني من شيوخ وعلماء دين اعلنوا براءة الشيخ من تلك التهم والادعاءات التي كان يراد منها تأليب العشائر والمجتمع الكوردي ضده.
 
السبب غير المباشر الثاني هو وقوع بعض شيوخ الطرق الصوفية وبعض كبار الإقطاعيين بحيلة الادعاءات البريطانية، لذلك سبّب وقوعهم بتلك الاتهامات غير الصحيحة معارك مسلحة بين عشائر بارزان وعشائر منطقة برادوست خلال عام 1931، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الخسائر البشرية والمادية بين الطرفين. السبب غير المباشر الثالث هو فرض الحكومة العراقية ضريبة تسمى ضريبة (الكودة).
 
أما السبب المباشر لاندلاع المواجهات بين العشائر العراقية والحكومة المركزية هو قيام الحكومة العراقية ببناء مخافر عسكرية في منطقة بارزان بعدما شرعت الحكومة العراقية ببسط سيطرتها على جميع مناطق كوردستان بالقوة، من دون التفاهم مع الزعامات والشخصيات الكوردية في المنطقة، لاسيما منطقة بارزان بعدما بدأ الشيخ احمد البارزاني رافضاً لأي تواجد حكومي في منطقة بارزان إلا بالتفاهم، وليس بطريقة لي الأذرع، ونتيجة لذلك الإصرار الحكومي عملت الحكومة العراقية في بداية عام 1931 على وضع خطط للقضاء على تطلعات الشيخ احمد البارزاني ونفوذه الواسع، لذلك كانت أولى الخطوات من قبل الحكومة العراقية قيام الجيش العراقي بقيادة برقي بيك محاولة شن هجوم على قرية بارزان في ليلة 8-9 كانون الاول 1931 ومحاولة إلقاء القبض على الشيخ احمد البارزاني، إلا ان تلك المحاولة كان نتيجتها الفشل بعد تصدي المقاتلين البارزانيين بشراسة لتلك العملية، ثم بعد هذه العملية قيام سرب القاصفات البريطانية بقصف بارزان في 13 كانون الاول 1931، مما أدى إلى تدمير الكثير من الدور السكنية.

 

 

 
الحكومة العراقية تؤجل عملياتها بعد اخفاقها مرتين
 
بعد الإخفاق في العمليتين على بارزان قررت الحكومة العراقية تأجيل عملياتها العسكرية ضد بارزان إلى فصل الربيع، وبعث على اثرها المندوب السامي البريطاني في العراق فرنسيس همفريز برسالة إلى الشيخ احمد البارزاني في 17 كانون الاول 1931 دعاه إلى طاعة الحكومة العراقية، مشيراً الى أن القوات البريطانية ستدعم موقف الحكومة العراقية ضد البارزانيين، وراحت الاستخبارات البريطانية تراقب عن كثب تحركات الشيخ احمد البارزاني ومقاتليه من العشائر البارزانية، وبدأت تعمل على تشخيص العشائر الكوردية التي مع الشيخ او ضده، وسعت الحكومة العراقية قبل البدء بالعمليات إلى تطويق بارزان من جميع الاتجاهات لإجبار الشيخ احمد البارزاني على الاستسلام او لتتمكن السلطات العراقية من القاء القبض على شيخ بارزان.
 
وفي الوقت نفسه بدأ الشيخ احمد البارزاني في الاستعداد لمواجهة الهجوم المحتمل على بارزان، وقبيل بدء الحركات العسكرية ضد بارزان اعلن بعض من رؤوساء القبائل الكوردية عن موقفهم الداعم للحكومة العراقية ضد الشيخ احمد البارزاني، وبعدما قامت الحكومة العراقية والبريطانية باستطلاع حجم قوة البارزانيين وكمية الأسلحة التي بحوزة المقاتلين البارزانيين والعشائر المتحالفة معها، بدأت العمليات العسكرية بشكل رسمي في منتصف اذار 1932 توقفت مدة من الزمن ثم عادت بقوة في 3 نيسان 1932، إذ قامت القوات العراقية وبمساعدة السلاح الجوي البريطاني بالهجوم الشامل على قرى عشائر بارزان ومحاصرتها، محاولة القاء القبض على شيخ بارزان.
 
معارك طاحنة
 
جرت في اليوم التالي معارك طاحنة بين الطرفين تمكن الجيش العراقي من السيطرة على مضيق مامشت ومنطقة زاروك، وفي يوم 18 نيسان 1932 استطاعت القوات العراقية من احكام سيطرتها على كل مناطق عشائر بارزان ودخولها بما فيها مركز المشيخة، وأوقفت العمليات العسكرية في يوم 24 أيار 1932 وذلك لإعطاء شيخ بارزان ومقاتليه فرصة لتسليم أنفسهم، إلا ان الشيخ احمد البارزاني رفض التسليم قائلاً: (ان عشائر بارزان لن تركع للإنكليز وعملائهم، وسنظل نعاديهم ونقاتلهم. ذلك هو قرارنا ولسنا نادمين).
 
لذلك وجّهت القوات العراقية في منطقة بارزان يوم 25 أيار 1932 انذاراً إلى أهالي بارزان المدنيين بوجوب ترك قراهم، لأنهم سوف يتعرضون للقصف الجوي، وفي اليوم التالي بادرت الطائرات الى قصف منطقة بارزان مع استمرار تقدم الجيش داخل اعماق منطقة بارزان، الأمر الذي دفع مقاتلي عشائر بارزان وقيادتهم في يوم 13 حزيران 1932 بالانسحاب باتجاه وادي زيت الواقع ضمن الحدود العراقية التركية، وجرت آخر المعارك بين مقاتلي عشائر بارزان والجيش العراقي في يوم 22 حزيران من العام 1932 وتمكن الجيش من دخول وادي زيت بعد أن فشل بعدد من المحاولات بسبب المقاومة البارزانية.
 
وبعد دخوله انسحب الشيخ احمد البارزاني وعدد من مساعديه ومقاتلي بارزان إلى الأراضي التركية وسلموا أنفسهم طوعاً إلى السلطات التركية ولتنتهي حركة بارزان الاولى في 5 تموز 1932 الا أن لجوء الشيخ احمد البارزاني إلى الأراضي التركية لم يجعل الأوضاع هادئة على الحدود العراقية، إذ لم تخل تلك المنطقة من توتر في الوقت الذي لم يتوقف تسلل المسلحين الكورد من تركيا إلى بارزان، بل تعدى الأمر الذي اصبح البارزانيون المتواجدون داخل تركيا يشكلون مصدر قلق للحكومة العراقية، وذلك لاستمرار جيوب مقاومة تبايعهم داخل الأراضي العراقية ومنطقة بارزان.
 
موقف دول الجوار كان كالآتي:
 
أولاً: موقف ايران كان داعماً للحكومة العراقية في السيطرة على منطقة بارزان، فضلاً عن تجسيدها ما يقارب أربعة الاف جندي على حدودها القريبة من منطقة بارزان لاسيما راوندوز.
 
ثانياً: الموقف التركي هو الاخر مؤيد للعمليات العسكرية على بارزان، إذ قامت باغلاق حدودها خوفاً من وصول دعم من كورد تركيا للبارزانيين وارسلت قوات عسكرية كبيرة لضبط الحدود.
 
موقف الصحافة العراقية من حركات بارزان 1931-1932
 
تناولت الصحافة الأحداث الجارية في منطقة بارزان باهتمام بالغ، إلا ان اغلب موقفها كان متحيزاً للحكومة العراقية دون التنديد بما يحصل من قصف وخراب وتدعو الى النظر بأحوال الناس المدنيين والشيوخ والأطفال من جراء العمليات العسكرية.
 
موقف مجلس النواب العراقي
 
لم يختلف موقفهم من موقف الصحافة، إذ أوقعت المسؤولية على اهل بارزان وشجعت العمليات العسكرية الجارية على منطقة بارزان دون النظر لأحوال السكان المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ.
 
على الرغم من إعلان الحكومة العراقية انتهاء حركات بارزان الاولى عام 1932 ونزوح الشيخ احمد البارزاني إلى تركيا، إلا ان ذلك لم يجعل منطقة بارزان والمناطق المجاورة دون مقاومة، فلقد استمرّت جيوب المقاومة البارزانية وهذه المرة يقودها احد ابرز قيادات عشيرة المزوري بالا، المدعو خليل خوشوي والتي استمرّت لمدة سنة من عام 1935 إلى عام 1936 الذي لم يشمله قانون العفو العام الذي اصدرته الحكومة العراقية عام 1933 وصادق عليه البرلمان بداية عام 1934 بسبب اتهامه في قتل عدد من الشرطة العراقية، وحاولت الحكومة العراقية القاء القبض عليه، إلا انه تمكن من دخول الأراضي التركية في آب 1934 بمساعدة عشيرة الگردي القاطنة ضمن الأراضي التركية، وطالبت الاستخبارات العراقية من الجانب التركي القاء القبض على خليل خوشوي، إلا انه تمكن من الهرب من قبضة السلطات التركية.
 
بدأ خليل خوشوي نشاطه في بداية شهر اذار 1935 وعمل مع أولو بك الشيرواني أحد أبرز القيادات البارزانية، وهو خال الشيخ احمد البارزاني على تشكيل مجاميع مسلحة صغيرة عرفوا بـ"الديوانية" وهم فدائيين مشيخة بارزان تمكنت هذه المجاميع من شن هجمات على القوات الحكومية المتمركزة في مناطق بارزان، ومع تصاعد عمليات خوشوي سارعت حكومة ياسين الهاشمي الثانية إلى اصدار الأحكام العرفية في 5 آب 1935 على أبناء منطقة بارزان وعدد من المناطق الأخرى التابعة إلى لواء اربيل، وشكل المجلس العسكري برئاسة المقدم إسماعيل حقي آغا وأصدر هذا المجلس حكم الإعدام بحق من يسمون بـ"الخارجين عن القانون".
 
بدأت الحكومة بالتنسيق مع الجانب التركي لتضييق الخناق على خليل خوشوي ومقاتليه، ونجحت عمليات التنسيق العراقي التركي في قطع المؤن الغذائية والأسلحة عن المسلحين البارزانيين، واستطاعت القاء القبض على أبرز مساعدي خليل خوشوي المدعو تقي خان، فضلاً عن تمكنها من قتل أحمد نادر، هو أحد أبرز المقربين للشيخ احمد البارزاني وتمكن الحكومة العراقية من القاء القبض على  عدد من اتباع خوشوي، أمثال صوفي حاجي وسلمان أحمد وعثمان سليم وسليم عبد الله وإسماعيل ملا جوج، وحكم عليهم من سنتين إلى ثلاث سنوات، الأمر الذي أدى إلى تشتت مقاتلي خليل خوشوي، حتى وصل عدد مسلحيه إلى عشرين مسلحاً فقط، وعلى إثرها تمكنت القوات العراقية وبمساعدة بعض أفراد العشائر الكوردية وزعمائها من تطويق خليل خوشوي ومقاتليه، وبعد اشتباكات ضارية بين الجانبين قتل على إثرها خليل خوشوي وعدد من مقاتليه في 13 اذار 1936 في قرية أوانيك، الأمر الذي أثر على مجريات الحركة الكوردية في تلك المنطقة وأضعفها إلى حد كبير، وبعد مقتله أرسلت الحكومة العراقية برقية شكر وامتنان إلى الجانب التركي، فيما عبرت تركيا عن استعدادها للوقوف مع الحكومة العراقية على اعادة الامن والاستقرار على حدودهما المشتركة.
 
توقعت الحكومة العراقية بعد قتل خليل خوشوي أنها طوت صفحة مقاومة العشائر البارزانية، وأنها سوف تتفرغ إلى عملية البناء، إلا ان كل شيء ظل حبراً على ورق، بسبب انعدام الثقة بين الطرف الكوردي والحكومة المركزية.
 
أوضاع عشائر بارزان بين أعوام 1936-1943
 
اتخذت الحكومة العراقية عدة إجراءات في منطقة بارزان بعد الانتهاء من حركة خليل خوشوي، ومن تلك الاجراءات إبعاد شيوخ بارزان وقادتها إلى خارج منطقة بارزان، وكانت بداية تلك الاجراءات منذ اليوم الاول عندما استلمت الحكومة العراقية الشيخ احمد البارزاني من الجانب التركي وقامت بابعادهم من منطقة بارزان مع عدد من اتباعه، والذي قدر عددهم بـ (86) شخصاً، وتم إسكان الشيخ احمد البارزاني في مدينة الموصل إقامة جبرية لتفادي اي اتصال له مع أهالي بارزان، ومن الاجراءات الأخرى التي اتخذتها الحكومة كعوائق، أحدثت عمليات تغيير ادارية، منها تحويل بارزان إلى ناحية، ووضع مخافر للشرطة، وعقد صلح بين الدولة وعدد من شيوخ العشائر في المنطقة.
 
مع بداية عام 1937 طلب أحد قادة عشائر بارزان، أولو بك الشيرواني، التفاوض مع الحكومة العراقية لكن بشرط السماح بإعادة الشيخ احمد البارزاني وإخوته وجميع البارزانيين المبعدين إلى بارزان، مقابل ان يدخل في طاعة الحكومة وتسليم سلاح، ووافقت الحكومة العراقية على السماح لأولو بك بالعودة إلى بارزان، ولكنها أبعدت الشيخ احمد البارزاني من الموصل إلى بغداد ومنها إلى الناصرية في عام 1938، وفي عام 1939 سمحت الحكومة العراقية للبارزانيين المعتقلين في الناصرية بالعودة إلى مدينة السليمانية، ولكن ايضا تحت الإقامة الجبرية.
 
جاء ذلك بعد معاناة عاشها البارزانييون منها المعيشية والصحية المتردية والصعبة، فضلاً عن حرارة الأجواء مقارنة بمناطق البارزانيين اضافة الى سوء المعاملة التي كانوا يتلقونها هناك، وقررت الحكومة العراقية إسكانهم في منطقة شهرزور، إلا أنه وبسبب عدم اكتمال الاجراءات في شهرزور أمرت وزارة الداخلية متصرف لواء الموصل مصطفى قرداغي بإسكانهم داخل الأحياء السكنية لمدينة السليمانية بصورة مؤقتة لحين الانتهاء من مشروع شهرزور السكني.
 
عاش البارزانيون في السليمانية حياة مليئة بالمصاعب، لاسيما منها الاقتصادية والصحية، حتى وصلت إلى الفقر المدقع، حيث دفعت تلك الظروف إلى اكل طحين البلوط والخبز اليابس، وبسبب تلك الأزمة قام ملا مصطفى البارزاني ببيع حلي زوجته لغرض العيش ونتيجة للأوضاع المتدهورة بعث الشيخ احمد البارزاني في 1 تموز 1939 برسالة إلى رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد، طالبه بإيجاد حل جذري لمعاناة البارزانيين في السليمانية والسماح لعوائل المعتقلين بزيارة ذويهم، إذ ان هناك ما يقارب (98) عائلة لم تلتقِ بأولادها، وفي الوقت نفسه طالب بنقلهم من السليمانية لبعدها عن مناطق عشائر بارزان إلى مدينة شقلاوة في لواء اربيل أو إلى الموصل حتى يكونوا قريبين من عوائلهم، وبيّن الشيخ خلال رسالته الوضع الصحي المزري الذي يعيشونه البارزانيون، إذ هناك أمراض أصيبوا بها، وهناك حالات وفاة بينهم، ومن ضمن المتوفين الطفل ايوب ابن الشيخ محمد بابو البارزاني شقيق الشيخ احمد البارزاني، وكذلك أوضح أن المخصصات المالية التي خصصتها الحكومة العراقية للبارزانيين المعتقلين لا تسد حاجتهم اليومية من الأكل والعلاج، داعيا إلى زيادتها.
 
لم يأت أي رد من قبل رئيس الوزراء العراقي، الامر الذي أعاد الشيخ احمد البارزاني في 8 تشرين الثاني 1938 برسالة أخرى  الى رئيس الوزراء نوري السعيد ورئيس اركان الجيش العراقي أمين زكي، طالبهم بإعادة البارزانيين المبعدين إلى بارزان، وأشار الى أن احتجازهم سوف يولد الكره والضغينة تجاه الحكومة العراقية التي عليها ان تشعر ان جميع العراقيين ومن ضمنهم البارزانيين وبقية الكورد بانتمائهم لوطنهم، وأن البارزانيين حالهم حال العوائل العراقية تريد أن تخدم وطنها إذا شعرت باهتمام الحكومة بها، وعكس ذلك عليها ان تتحمل ما ينتج عن سياستها غير العادلة تجاه الشعب الكوردي.
 
بعد الرسالتين التي وجهها الشيخ احمد البارزاني إلى الحكومة العراقية أمرت وزارة الداخلية في كتاب وجه إلى متصرف لواء الموصل في 31 كانون الاول 1939 السماح للعوائل البارزانية بزيارة ذويهم، على ان تتحمل تلك العوائل نفقات الزيارة، لأن عملية نقلهم تكلف ميزانية الحكومة العراقية بحسب ادعاءات وزارة الداخلية، واشارت الوثائق الى أن تكلفة الزيارة الواحدة تكلف 11.653 ديناراً عراقياً.
 
في 4 نيسان 1940 قدم عدد من البارزانيين طلباً إلى متصرف السليمانية بمنحهم اجازة لمدة شهر كامل للذهاب إلى الموصل لتأمين احتياجات عوائلهم في بارزان، مبينين ان الوضع المعيشي لعوائلهم مترد جداً، بسبب عدم وجود معيل آخر لتلك العوائل غيرهم، إلا ان الطلب رفض جملة وتفصيلاً، الامر الذي دفعهم في 8 نيسان 1940 الى رفع رسائل استرحام لإنقاذ عوائلهم، إلا انه رفض ايضاً، وعلى هذا الامر راجع الشيخ احمد في صيف عام 1940 متصرف لواء الموصل مصطفى قرداغي للنظر في أحوال البارزانيين الصحية والمعيشية المتدهورة، الا أن المتصرف لم يسمع للشيخ متعذراً بالواجبات الكثيرة التي تشغله.
 
أما في عام 1941 فقد شهد العراق قيام الحرب العراقية البريطانية والتي عرفت بثورة مايس 1941 قادها عدد من الضباط العراقيين يقودهم رشيد عالي الكيلاني، ومن الموقف الوطني رفع الشيخ برقية إلى حكومة الدفاع الوطني التي يرأسها رشيد عالي الكيلاني يطلب فيها الاشتراك (بالجهاد المقدس) ضد البريطانيين، وكان هذا الطلب له أثر كبير في نفوس الوطنيين العراقيين، لاسيما الضباط الأحرار. 
 
ووجهت الحكومة العراقية كتاب شكر للشيخ، واعتذرت له عن المشاركة كونه يبلغ من العمر عتياً، إلا انها سمحت للملا مصطفى البارزاني والشيخ محمد صديق للاشتراك في الحرب، إذا كانت لديهم رغبة في ذلك، وعدّته موقفاً وطنياً خالصاً.
 
في حزيران سعت الحكومة العراقية إلى تحسين المستوى المعيشي للبارزانيين وأمرت بزيادة مخصصاتهم المالية مقدار دينار واحد لكل شيخ، وفي 22 حزيران 1941 بيّنت وزارة الدفاع العراقية ومتصرف لواء الموصل رغبتهم بعودة البارزانيين المبعدين إلى أراضيهم، وأنه لا يوجد مانع من عودتهم بعد تقديم تعهد بعدم القيام بأي أعمال ضد الحكومة العراقية أو الخروج عن طاعتها.
 
عام 1942 شهد العراق أزمة اقتصادية بسبب الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الثانية، مما انعكست تلك الأزمة سلباً على منطقة كوردستان وادّت إلى ظهور موجة عنيفة من الغلاء، اذ وصلت الأسعار في بارزان إلى أضعاف ما موجود في بغداد والمناطق الجنوبية من العراق، حيث وصل سعر كيلو الزيت إلى (225) فلساً والطحين إلى (150) فلساً والفواكه إلى (40) فلساً للكيلوغرام الواحد، وكذلك الملابس والأحذية التي وصلت إلى (3) دنانير للقطعة الواحدة، مما دفع البارزانيين إلى لبس أردأ الملابس والأحذية، وتناول أردأ أنواع المواد الغذائية، ولم يكن التعليم والصحة بأفضل حال من غيره.
 
التقصير من الحكومة العراقية تجاه بارزان واهلها دفع البارزانيين إلى التطلع لمنقذ لهم من تلك الظروف، حتى انبرى الملا مصطفى البارزاني لتلك الأمنيات، وتمكن من الهروب من مقر إقامته الإجبارية في السليمانية عام 1943 إلى قيادة حركة مسلحة تمثلت بحركة بارزان الثانية عام 1943-1945.

 

 
حركة الملا مصطفى البارزاني 1943-1945
 
استطاع البارزاني الهروب من مقر إقامته الجبرية في لواء السليمانية يوم 12 تموز 1943 وبعلم الشيخ احمد البارزاني بعد ان استأذنه مباركاً له تلك الخطوة، بعد ان قدّم له عدة نصائح، منها الالتزام بالعدل مع الناس وان لا يدخل إلى نفسه الغرور ويتجنب المصادمة مع الحكومة العراقية، إلا بعد ان تقوى شوكته، وان لا يكون وجود البارزانيين بيد الحكومة العراقية نقطة ضعف له إذا أرادت المفاوضات معه، لأن هناك احتمال ان يتم الضغط عليه بتلك النقطة.
 
ساعد الملا مصطفى البارزاني في عملية الهروب حزب هيوا الأمل، وكان في مقدمتهم الشيخ لطيف الحفيد ابن الشيخ محمود الحفيد، رافق البارزاني اثنان او ثلاثة أشخاص كأدلاء وتمكن البارزاني من دخول الأراضي الإيرانية من قضاء شاربازير (چوارتا)  في محافظة السليمانية، وفي الأراضي الإيرانية ساعدته العشائر الكوردية في الانتقال من منطقة إلى اخرى حتى وصل إلى الحدود العراقية بالقرب من منطقة برادوست التابعة إلى لواء أربيل، منتقلاً بعد ذلك إلى منطقة شيروان، وسارع أهالي المنطقة بعد ما علموا بوجود الملا مصطفى للالتحاق به، وكان في مقدمتهم مامنع مسيح ومحمد سعيد بيروني وعدد آخر من اتباعهم.
 
كان هناك عدد من الاسباب أدت إلى هروب البارزاني من السليمانية، كان في مقدمتها شخصية البارزاني ذات الطموح المجهول والكاريزما الخاصة به لا تقبل السيطرة او العقاب، لانه شخص ذو إرادة قوية منعته من الانسجام والمقاومة داخل المعتقل، فضلاً عن ضنك العيش وقلة التخصيصات المالية المدفوعة من الحكومة المركزية التي لا تكفي للعيش والدواء ومستلزمات الحياة الأخرى، وكذلك طول مدة الاعتقال ويأسه من إمكانية عودته وعدم رغبته شخصياً قضاء حياته في المعتقل، وقساوة المعاملة التي كان البارزانيون يتلقونها من الموظفين الإداريين، لاسيما من متصرف السليمانية مصطفى القرداغي الذي عرف عنه بكره البارزانيين والشيخ احمد البارزاني على وجه الخصوص، الأمر الذي دفع البارزاني للتفكير بعملية الهروب والعمل على ايجاد حلول يستطيع من خلالها حل مشكلة البارزانيين.
 
سارعت الحكومة العراقية بعد وصول معلومات هروب البارزاني في 19 تموز 1943 إلى اتخاذ التدابير اللازمة، منها تقوية المخافر وتكثيف مفارز الشرطة وتفتيش  المناطق، ووضعت مكافأة كبيرة لكل من يدلي بمعلومة او يستطيع القاء القبض او قتل الملا مصطفى البارزاني وقدرت المكافئة (50) الف دينار عراقي.
 
وصل البارزاني منطقة شيروان في 4 ايلول 1943 وانضم اليه 79 مقاتلاً بارزانياً، بعدها وصل مخفر شيتنه الواقع ضمن قرى راوندوز، وطلب لقاء آمر المخفر، مؤكداً أنه لا توجد لديه أي غاية سيئة تجاه الحكومة العراقية سوى بعض المطالب، منها السماح للبارزانيين المبعدين بالعودة إلى ديارهم والاهتمام بالبارزاني ومناطقهم والمجاورة لهم من جميع النواحي الاقتصادية والصحية والتعليمية والزراعية، مع توفير خدمات تمكن أهالي بارزان من العودة إلى حالتهم الطبيعية.
 
لم تلتفت الحكومة العراقية إلى تلك المطالب بعد عرضها عليها في 10 أيلول 1943 وبعد علم البارزاني برفض طلباته، لجأ إلى لغة القوة فهاجم مخفر شيتنه في 21 أيلول 1943 وتمت السيطرة عليه ومصادرة جميع ما فيه من أسلحة، وعلى إثرها استمر مقاتلو بارزان بشن هجماتهم على المخافر الحكومية في منطقة بارزان.
 
متصرف الموصل يطلب تعزيزات عسكرية
 
في 5 تشرين الاول 1943 حصلت معركة بينهم مع الجيش العراقي عند مخفر خيروزوك بالقرب من منطقة بريشيا، وكانت الغلبة فيه لمقاتلي بارزان وسيطروا على كميات كبيرة من الأسلحة وعرفت تلك المعركة بمعركة (خيروزوك) وبعد تكرار الهجمات وخسائر الجيش أرسل متصرف الموصل في 6 تشرين الاول 1943 برقية إلى وزارة الدفاع يطلب تعزيزات عسكرية لأن الامر خطير كما ذكر متصرف الموصل، لاسيما وان معركة خيروزوك برهنت مدى قوة مقاتلي بارزان وتوسع سيطرتهم واضهرت عجز القوات الحكومية في الدفاع عن نفسها.
 
وعلى إثر ذلك تحركت فرقة عسكرية وهي الفرقة الثانية في كركوك يوم 8 تشرين الاول 1943 ومع تحرك فوج من الحدود وفصيل مدفعية من منطقة راوندوز وصلت تلك القوات إلى منطقة مسكرة سور، وتحصنت هناك في اليوم التالي بقيادة سعيد التكريتي.
 
سارعت الحكومة العراقية في 16 تشرين الاول 1943 إلى عقد اجتماع ضم كبار القادة العسكرين العراقيين والبريطانيين ومسؤول الملف اللواء سعيد التكريتي، اقترح الاجتماع إرسال شخص للتفاوض مع قيادات بارزان على ان تكون تلك الشخصية محل ثقة البارزاني، إلا ان المقترح رفض لوجود تصميم من قبل بعض قادة الاجتماع في وجوب القضاء على البارزاني ورفاقه، وتم الاتفاق على تشكيل فوج من الشرطة غير النظامية يكون معظم أفراده من العشائر المحيطة بمنطقة عشائر بارزان، كونهم أعرف بجغرافية المنطقة ويمكنها من الوصول إلى أماكن تعذر على الجيش وصولها وبوشر بالفعل تنفيذ هذا المشروع، وتم تسليح فوج الشرطة بـ (1269) بندقية.
 
بدء هجوم القوات العراقية على البارزانيين
 
في 5 تشرين الثاني 1943 صدرت الأوامر إلى قائد العمليات اللواء سعيد التكريتي في بدء الهجوم على البارزانيين، ودارت أول معركة قرب منطقة كوراني عند منحدر جبل سري پيران،  تمكن خلالها مقاتلو بارزان من اجبار قوات الجيش على الانسحاب إلى ميركة سور، وفي 8 تشرين الثاني 1943 أمر الزعيم الركن محمود نور الدين معاون رئيس أركان الجيش بإعادة الهجوم في تمام الساعة العاشرة صباحاً، وكانت النتيجة لصالح مقاتلي بارزان، وفي 10 تشرين الثاني 1943 هاجم مقاتلو بارزان قوة استطلاعية للجيش والشرطة بالقرب من منطقة ليلوك وشبانه، وأجبرت قوة الاستطلاع على الانسحاب إلى التلال القريبة للتحصن فيها، ولم تتمكن من الرجوع إلا بوصول قوة مساندة قادمة من بافستيان وميركة سور التي تمكنت من إنقاذ الموقف، الأمر الذي دفع الحكومة العراقية الى نقل قسم من القوات العسكرية من ميركة سور إلى منطقة شيروان، لحماية خط المواصلات وحماية القوافل العسكرية المارة بين جهتي شيروان وميركة سور، لذلك لم تهاجم القوافل العسكرية من قبل مقاتلي بارزان من تاريخ 15 تشرين الثاني إلى يوم 7 كانون الاول 1943.
 
لكن سرعان ما قام مقاتلو بارزان بمعاودة الهجوم يوم 8 كانون الاول 1943 حيث هاجموا المخافر والحاميات العسكرية، منها حامية ميركة سور وبله ومخفر شيتنه الذين استولوا عليه يوم 10 كانون الاول 1943 وسيطروا على مخفر بارزان يوم 24 كانون الاول 1943 ومن بعدها توالى سقوط المخافر الأخرى الواحد تلو الاخر، وبعد استمرار خسائر الجيش وسقوط المناطق ارتأت الحكومة العراقية أن تلجأ إلى طريق المفاوضات لعلها تجد حلاً سلمياً ينهي الأزمة الحاصلة في منطقة بارزان.
 
المرحلة الاولى من المفاوضات 
 
بدأت المرحلة الاولى من المفاوضات بين البارزاني والحكومة العراقية بضغط من قبل بريطانيا، إذ أرسلت في البدء الحكومة العراقية ابن الشيخ احمد البارزاني، الشيخ محمد خالد الذي وصل في 13 كانون الاول 1943 حاملاً رسالة من الشيخ احمد البارزاني يدعو فيها الملا مصطفى إلى إنهاء الأعمال المسلحة والدخول في مفاوضات مع الحكومة العراقية،  إلا ان الملا مصطفى لم يرد على تلك الدعوة، لأن هناك اتفاقاً سابقاً بينه وبين الشيخ احمد البارزاني قبل ان يهرب البارزاني من معتقل السليمانية، الأمر الذي دفع السفير البريطاني كينيان كورنواليس الى أن يقدم نصيحة إلى نوري السعيد والوصي عبد الإله إلى ضرورى التفاهم مع البارزانيين واستغلال الجهود المبذولة لتسوية الأوضاع بطرق سلمية، قبل ان تخرج الأمور من السيطرة، وفي المقابل مارس السفير البريطاني الضغط على البارزاني حينما بعث له رسالة في 21 كانون الاول 1943 نصحه فيها بالتفاهم مع الحكومة العراقية وأوضح له ان استمرار الأعمال المسلحة يعني عداوة البارزانيين مع بريطانيا.
 
في 25 كانون الاول 1943 رد البارزاني على رسالة السفير البريطاني، بأنه يثق بالبريطانيين إلا ان الحكومة العراقية لم تبدي اي اهتمام بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبارزانيين، وقال ايضا في رده (متى ما أعلنت الحكومة العراقية العفو الصادق عن البارزانيين واطلقت سراح السجناء وسمحت للعوائل البارزانية العودة إلى مناطقهم فسيتم التوقف عن القتال ويسود الامن في ربوع المنطقة).
 
وعلى اثر ذلك قدم السفير البريطاني مقترحاً للحكومة العراقية في تعيين عدد من الكورد في مجلس الأعيان، كما طالب من الوصي أن يزور كوردستان للوقوف على احتياجاتهم وما يجري في مناطقهم من إهمال، وأشار السفير الى أن بريطانيا ستستعمل نفوذها لتأمين الحقوق القومية للكورد مقابل توقف البارزانيين عن القتال، ومن الواضح ان بريطانيا كانت تسعى إلى تحقيق امن واستقرار كوردستان لخوفها من النفوذ السوفيتي في المنطقة، لاسيما بعد سيطرة السوفييت على كوردستان إيران، لذا كثفت جهودها لتحقيق تفاهم بين البارزاني والحكومة العراقية ومن اجل ذلك شكل نوري السعيد وزارته 25 كانون الاول 1943 وتم اختيار ماجد مصطفى للتفاوض مع البارزاني، وهو وزير مفوض بلا وزارة، لتبدأ مرحلة جديدة من المفاوضات بين الطرفين.
 
المرحلة الثانية من المفاوضات
 
في 7 كانون الثاني 1944 وصل ماجد مصطفى إلى منطقة ميركة سور، وفي الوقت نفسه وصل البارزاني ايضاً وبدأت المفاوضات بشكل مباشر، وقدم البارزاني طلباته إلى المفاوض الحكومي بعدد من النقاط، وهي: 
 
1- تشكيل ولاية كوردستانية تضم كركوك واربيل والسليمانية والأقضية الكوردية التابعة للواء الموصل وديالى.
 
2- تعيين وزير كوردي يكون مسؤولاً عن الولاية.
 
3- جعل اللغة الكوردية اللغة الرسمية في الولاية الكوردستانية.
 
4- فتح الطرق وإعمار المنطقة وإنشاء المدارس والمستشفيات وتعيين معاون وزير كوردي.
 
5- تعويض المتضررين من أبناء عشائر بارزان والسماح للعوائل المبعدة البارزانية بالعودة إلى مناطقهم وعلى رأسهم شيخ بارزان الشيخ احمد البارزاني.
 
في الوقت الذي طالب ماجد مصطفى من البارزاني رفع الحصار عن المخافر والحاميات العسكرية ومساعدة الحكومة في إعمار المنطقة، رفع ماجد مصطفى تقريراً في يوم 18 كانون الثاني 1944 أوضح فيه طلبات البارزاني إلى الحكومة العراقية، وعلى ضوء ذلك التقرير شكلت الحكومة العراقية لجنة في 20 كانون الثاني 1944 ضمت وزير الداخلية عمر نظمي ووكيل وزير الدفاع ومدير الشرطة العامة ورئيس أركان الجيش وعدد كبير من المسؤولين، وتم خلال الاجتماع وضع خطة على ضوء تقرير ماجد مصطفى، خولت فيها الأخير بما يأتي:
 
1- تأسيس ادارة مدنية جديدة في منطقة بارزان
 
2- تعيين رؤساء إداريين لمنطقة بارزان والعمادية وراوندوز والزيبار
 
3- تأسيس المخافر في منطقة بارزان بالتنسيق مع وزارة الداخلية والمالية  والدفاع
 
4- تصليح الطرق المؤدية إلى منطقة بارزان
 
5- استرداد الأسلحة التي استولى عليها مقاتلو بارزان
 
6- إعادة شيخ بارزان وجميع المبعدين إلى منطقة بارزان وإبعاد الملا مصطفى من منطقة بارزان وإسكانه في منطقة پيران التابعة لمنطقة البشير.
 
كانت مسألة إبعاد ملا مصطفى عن بارزان نقطة خلاف قوية بين الطرفين وعلق البريطانيون على ذلك بأن (الملا مصطفى يفضل الموت على ترك بارزان)  ومن هنا بدأت القيادة البارزانية تشكك في مصداقية ماجد مصطفى في نقل الحقيقة كما هي عن بارزان إلى الحكومة العراقية.
 
في 25 كانون الثاني 1944 تم الاتفاق على التوصيات باستثناء إبعاد البارزاني، وبالفعل تم عودة المبعدين البارزانيين وعلى رأسهم الشيخ احمد البارزاني في 12 شباط 1944، وفي يوم 21 شباط توجه البارزاني إلى الموصل تمهيداً للذهاب إلى بغداد، وفي اليوم التالي وصل البارزاني بغداد والتقى جميع المسؤولين العراقيين، منهم الوصي عبد الإله  ونوري السعيد رئيس الوزراء وممثلي الدول الكبرى في بغداد، وتم الاتفاق على تنفيذ ما تم التوصل مع ماجد مصطفى.
 
يوم 15 اذار غادر البارزاني بغداد عائداً الى منطقة بارزان، وبدأ البارزاني بجمع الأسلحة التي استولى عليها من الجيش العراقي، واعلن البارزاني ان باقي الأسلحة الأخرى هي خارج سيطرتهم، وذلك ما رفضته الحكومة العراقية، وفي أيار 1944 زار رئيس الوزراء نوري السعيد كوردستان وتعهد بتشكيل لواء دهوك مع ضم جميع المناطق الكوردية له، إلا ان ذلك المشروع واجه معارضة قوية، الأمر الذي دفع نوري السعيد الى تقديم استقالته.
 
شكّل حمدي باچه چي الوزارة وتعهد بالالتزام في التعهدات السابقة وفي 16 حزيران 1944 اجتمع وزير الداخلية مصطفى العمري والسفير البريطاني حول مسألة البارزانيين، ودعا الوزير إلى استخدام القوة ضد البارزانيين، في حين طالب السفير البريطاني إبعاد البارزاني عن رأس الحركة الكوردية في منطقة بارزان، الأمر الذي دفع البارزاني في 19 آب 1944 الى أن يبعث رسالة إلى السفير البريطاني يطالبه بحث الحكومة العراقية على تنفيذ وعودها (وإلا سوف نأخذ حقوقنا بالقوة).
 
عن طريق حزب هيوا علم البارزاني بأن الحكومة العراقية تنوي مهاجمة بارزان في 1 اذار 1945 وعلى اثرها بدأ البارزاني جولاته في مناطق السورجية وخوشناو والزيبار وراوندوز وبرادوست ولولان وبالك والعمادية وسرسنك وپامرني وعقرة وخانقين وحلبچة، واستمالت اليه تلك المناطق واعلنت استعدادها في الوقوف معه ضد أي تحرك معادي، وأخذ الجيش يتحرك بالقرب من منطقة بارزان وأرسل على الفور السفير البريطاني رسالة إلى الشيخ أحمد البارزاني والملا مصطفى في 20 اذار 1945 أوضح فيها أن تحركات الجيش ما هي إلا تدريبات يجريها الجيش لا أكثر،  وأكد ان حل المشاكل بين بغداد والبارزانيين قريبة جداً، وعلى اثرها زار الميجر (مور) في 25 اذار 1945 منطقة بارزان وطلب من الشيخ احمد البارزاني باسم الحكومة البريطانية أن تلقي عشائر بارزان سلاحها وأن تلتزم بأوامر الحكومة العراقية، إلا ان الشيخ رده قائلاً: (نحن لا نتلقى الأوامر من البريطانيين) الأمر الذي اغضب (مور) وراح يتوعد البارزانيين بعواقب وخيمة.
 
أما في أيار 1945 عقد مور  اجتماعاً مع الضباط الكورد من الذين انضموا إلى البارزانيين، طالباً منهم التخلي عن بارزان والعودة إلى صفوف الجيش العراقي، إلا انهم رفضوا ذلك الطلب وفضلوا خوض غمار المعركة مع البارزانيين، وفي 19 اب 1945 شرعت الحكومة العراقية أوامرها إلى قطعات الجيش العراقي بالهجوم على منطقة بارزان بمساعدة القوات البريطانية.
 
بدأ الهجوم على بارزان من محورين الاول هو بافيستان - ميركة سور - خيروزوك - چامة - ريدان - پيره، والمحور الثاني هو عقرة - دينارتة - پيراكبرا - بله – بارزان، وقسمت تلك القوات إلى أربعة أقسام، قوة راوندوز وقوة عقرة وقوة بافيستان والقوة الرابعة من الشرطة في العمادية ومنطقة سورا.
 
بدأ الهجوم على بارزان بمرحلتين، الأولى قصف بالطائرات، بينما المرحلة الثانية الهجوم البري الذي بدأ في 25 آب 1945 من مرتفعات بادلينا منطقة ديانا، وفي المرحلة الأولى من الهجوم تكبدت قوات الجيش العراقي خسائر كبيرة لاسيما في معركة مازنه والتي عدت اكبر المعارك التي خاضها الجيش ضد البارزانيين.
 
بعد تلك الهزيمة نجحت القوات العراقية في استمالة وإغراء بعض العشائر لعزل مقاتلي بارزان وتركهم يواجهون مصيرهم لوحدهم، وفي 25 أيلول 1945 جرت معركة پيرس بين البارزانيين والجيش العراقي المدعوم من مقاتلي العشائر، ووسط كثافة قصف الطائرات والمدافع حوصر البارزانيون فما كان أمامهم إلا ان يختاروا الانسحاب إلى قرية عرفته بعد خيانة اغلب العشائر الكوردية لهم، وقررت القيادة الكوردية إخلاء القرى واللجوء إلى جبال المنطقة للاحتماء من كثافة القصف، واستطاع الجيش العراقي في 5 تشرين الاول 1945 السيطرة على منطقة بارزان ، وفي 6 تشرين الاول استطاعت القيادة البارزانية من اللجوء إلى الأراضي الإيرانية، اذ وصلت في 13 تشرين الثاني 1945 وبذلك انتهت العملية العسكرية في منطقة بارزان.
 
الموقف الدولي والإقليمي من حركة الملا مصطفى البارزاني
 
1- أعلن كورد تركيا بعد تواصل زعمائهم مع الملا مصطفى البارزاني تأييدهم له وللمطالب التي عدوها مطالب تضمن حقوق الكورد في العراق.
 
2- أما كورد ايران فقد بعثت جمعية انبعاث الكورد (ز. ك) رسالة باسم الشعب الكوردي في إيران تطالبه بتحرير كل كوردستان.
 
3- أما كورد سوريا فان بعض قياداتهم حاولوا عبور الحدود للاشتراك في الحركة لاسيما شخصية نور الدين زارا، إلا ان الحكومة العراقية تصدت لهم.
 
موقف دول الجوار الرسمي
 
1- موقف تركيا كان مؤيداً للحكومة العراقية، لأن لديها خوف من امتداد آثار الانتفاضة الكوردية في العراق إلى مناطق الكورد في تركيا.
 
2- إيران عملت جاهدة على إنهاء الحركة الكوردية في العراق حالها حال تركيا لتخوفها من تشجيع الكورد لديها على القيام بنفس الخطوات، بل انها أعلنت عن استعدادها لمساعدة العراق بمشاركة قواتها المسلحة.
 
3- لا يوجد أي موقف للحكومة السورية يذكر في الوثائق الرسمية سواء الموقف الشعبي أو الحكومي.
 
الموقف الدولي
 
1- كان موقف بريطانيا متذبذباً وحسبما تقتضي مصالحها، فتارة تقف مع الحكومة العراقية وتشجعهم على إنهاء الحركات البارزانية المسلحة، وتارة تقف بالحياد، وأخرى مع الكورد، واخيراً اقتضت مصالحها ان يكون الخيار العسكري هو الحل الأمثل.
 
2- أميركا كانت مهتمة اهتماماً بالغاً بمجريات الأحداث في منطقة بارزان، وجمعت المعلومات عن طريق وزيرها المفوض (لوي هندرسون) وأكدت أن سبب الحركة البارزانية المسلحة هو بسبب عدم تطبيق العدالة من قبل الحكومة العراقية تجاه مناطق الكورد.
 
3- كان الموقف السوفيتي يختلف عن الموقف البريطاني والأميركي لأنه جاء بصراحة أنها تدعم تلك الحركة من خلال إرسالها خبراء عسكرين وتارة مساعدات لوجستية إلى منطقة بارزان عن طريق جمعية (ز.ك) وفي 20 اب 1945 وصل مقاتلون من كورد إيران بدعم من الروس يقدر عددهم 200 -400 مقاتل لذلك كانت داعمة للبارزانيين.
 
يمكن توضيح الوجه العام لحركة بارزان 1943-1945 أنها كانت ثورة ضد الأوضاع السيئة التي عاشها البارزانيون، فضلاً عن أنها جاءت لرفع الظلم عن عشائر بارزان، في الوقت الذي عدها الوطنيون ثورة قومية بوجه الحكومة العراقية، حتى علّق عليها نائب حزب المحافظين البريطاني (المستر فليب)  قائلاً  في 24 نيسان 1946 ان "الحكومة العراقية لو قامت بدلاً من قصفها الكورد في منطقة بارزان باستثمار الطاقات والإمكانيات الموجودة في تلك الجبال الغنية لكان بإمكانها الحصول على سلم دائم بدلاً من حصولها على حقد وكره دائم من قبل الكورد لها".
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب