سينما متنقلة في كوردستان سوريا تعرف الأطفال الكورد على الفن السابع

20-08-2019
رووداو
نظراً لصعوبة إيجاد مراكز ثقافية أو صالات عرض، وبسبب إصراره على ألا يُحرم أحد من مشاهدة السينما، اختار المخرج الكوردي "شيرو هندي" أن يبادر إلى تنفيذ مشروع السينما المتنقلة
نظراً لصعوبة إيجاد مراكز ثقافية أو صالات عرض، وبسبب إصراره على ألا يُحرم أحد من مشاهدة السينما، اختار المخرج الكوردي "شيرو هندي" أن يبادر إلى تنفيذ مشروع السينما المتنقلة
الكلمات الدالة كوردستان سوريا السينما الفن السابع
A+ A-

رووداو – أربيل

أمام شاشة عرض مثبتة على جدار، يغرق فتيان وفتيات في نوبات من الضحك وهم يتابعون فيلماً بالأبيض والأسود لتشارلي تشابلن، في إطار مشروع سينما متنقلة في كوردستان سوريا هدفه تعريف الجيل الناشىء على الفن السابع.

ويجول المخرج الكوردي، شيرو هندي، من قرية إلى أخرى في مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا "كوردستان سوريا" وهو يحمل وفريقه معداتهم، وهي عبارة عن جهاز عرض وشاشة وحاسوب ومكبرات صوت. يختارون مكان العرض ثم يحددون موعد استقبال الأهالي، خصوصاً الأطفال منهم.

تفاعل كبير من جانب الأطفال

وفي باحة مدرسة قرية "سنجق سعدون" بريف مدينة قامشلو، ينتظر الأطفال من فتيان وفتيات بحماسة بدء عرض الفيلم الذي يروي قصة متسول ينقذ حياة طفل.

يأخذ كل منهم مكانه على الكراسي البلاستيكية الملونة التي سرعان ما امتلأت. ينهمكون في أحاديث جانبية أو يتبادلون الضحكات مع المخرج، قبل أن يطل عليهم تشارلي تشابلن في فيلمه الصامت "الطفل" الذي أخرجه وأنتجه في العام 1921.

وقبل دقائق من بدء العرض، لم يجد بعض الحاضرين كرسياً للجلوس عليه، فاختاروا المشاهدة وقوفاً.

لا يحيد الأطفال نظرهم عن الشاشة، تتعالى قهقهاتهم بشكل متكرر بين مشهد وآخر لا سيما لدى محاولة بطل الفيلم أن يمسح أنف طفل يشاركه التمثيل بعد احتسائه الحليب من إناء مخصص لري المزروعات.

يتنقل شيرو (39 عاماً) بين الأطفال بينما ترتسم ابتسامة عريضة على وجهه، يراقبهم من بعيد فرحاً بتفاعلهم مع فيلم قديم بهذا الشكل.

وقال شيرو، في تصريح صحفي: "عرضنا أفلاماً في مدن عدة سابقاً، لذلك رأينا أن يكون لأطفال القرى أيضاً نصيب من مشاهدتها".

السينما للجميع

نظراً لصعوبة إيجاد مراكز ثقافية أو صالات عرض، وبسبب إصراره على ألا يُحرم أحد من مشاهدة السينما، اختار شيرو أن يبادر إلى تنفيذ مشروع السينما المتنقلة.

ويوضح قائلاً: "هدفنا خلال عام ألا يبقى طفل في روجافا (كوردستان سوريا) لم يشاهد فيلماً سينمائياً، نعرضها لزرع ثقافة مشاهدة الأفلام لديهم".

واختار فريق المشروع فيلم تشابلن لتعريف الأطفال على "السينما العالمية منذ تكوينها ولزرع معرفة السينما في وعيهم".

وتعرض السينما المتنقلة أفلاماً متنوعة أمريكية وفرنسية وبينها رسوم متحركة بعد دبلجتها إلى اللغة الكوردية.

لم تكن السينما مصدر اهتمام كبير في مناطق كوردستان سوريا بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ولم تكن دور السينما الموجودة والمحدودة العدد أساساً تقدم سوى أفلام غير معروفة، منها الهندية والعربية، قبل أن تغلق أبوابها لاحقاً لانعدام الإقبال.

وما من دور سينما حالياً في مناطق الإدارة الذاتية، بعدما تحولت معظمها إلى قاعات أعراس وحفلات.

ذكرى كارثة سينما عامودا

لا تزال ذاكرة أهالي المنطقة، خصوصاً الكورد، مطبوعة بحادثة سينما عامودا في العام 1960، حين اندلع حريق ضخم أثناء اكتظاظ السينما بمئات التلاميذ، ما أسفر عن وفاة أكثر من 280 طفلاً.

ويوضح شيرو الذي أخرج قبل سنوات فيلماً كوردياً بعنوان "قصص المدن المنكوبة" يستعيد ما تعرضت له بعض المدن الكوردية نتيجة المعارك ضد تنظيم "الدولة الإسلامية – داعش"، من بينها كوباني، أن "السينما في طفولتي كانت ذاك المكان المظلم".

ويضيف: "لكن بعدما تعرفت إليها، أردت أن أستبدل الظلام بالألوان. نريد زرع ثقافة السينما في القرى بعيداً عن ذكريات احتراق سينما عامودا العالقة في ذاكرة الشعب الكوردي".

وفي قرية "تشاغر بازار" في ريف بلدة عامودا، أعاد شيرو وفريقه الكرّة ولكن هذه المرة بعرض الفيلم الأمريكي "سبيريت: حصان من سيمارون"، وهو فيلم رسوم متحركة صدر في العام 2002 ويروي قصة حصان خلال الحرب الأمريكية في القرن التاسع عشر.

الكبار يشاركون الصغار فرحتهم

يتسابق الأطفال للوصول إلى ساحة المدرسة ويسارعون للجلوس في الصفوف الأمامية، وقد رافقت السيدة أمل إبراهيم طفلتها إيلين (6 سنوات) وطفلها كادار (7 سنوات) إلى العرض. وتقول أمل: "أريد أن يتعرف الأطفال على السينما"، وتضيف: "انتظر ولداي بفارغ الصبر للمجيء إلى هنا، فهما لم يشاهدا السينما أبداً من قبل".

وقرر بعض رجال القرية أيضاً حضور العرض رغم أن الفيلم عبارة عن رسوم متحركة، إذ إن بينهم من لم يذهب إلى السينما منذ عقود.

تقف مجموعة منهم جانباً، يتبادلون الأحاديث والذكريات عن دور السينما التي كانوا يرتادونها في الماضي، ويقول عدنان جولي (56 عاماً) الذي أتى برفقة طفليه: "قبل أربعين عاماً، كنت أذهب إلى سينما عامودا وأشاهد الأفلام (من الخارج) عبر النوافذ".

ويضيف: "كان شعور جميل يتملكني حين تنطفئ الأضواء ويبدأ الفيلم. وها هم أطفالي اليوم يشاهدون السينما ويعيدون لي ذكرياتي".

لا تقتصر أحلام شيرو وفريقه على مشروع السينما المتنقلة والمؤقتة هذه، فهم يطمحون إلى إنشاء دور سينما دائمة في كوردستان سوريا، إلا أن هذه المهمة ليست سهلة، حيث يقول شيرو: "الأمر رهن بانتهاء الحرب وتحقيق الاستقرار في البلاد".

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب