هل للطفل مطلق الحرية؟

11-08-2023
سارة السهيل
الكلمات الدالة الطفل الانترنت
A+ A-
 
تعد حرية الطفل من القضايا المعقدة والمحورية في عالمنا الحديث. فالطفل، نظراً لعدم استكماله لعملية النمو العقلي والوعي، يحتاج إلى التوجيه والحماية ليتمكن من اتخاذ القرارات المناسبة والحفاظ على سلامته وصحته الشاملة. فالمجتمع والعائلة على حد سواء يلعبان دوراً حاسماً في تحديد محتوى والاشراف على تربية الطفل وجزء من هذا هو ما يمكن ان يتعرض له الطفل من مواضيع ومشاهد وافكار سواء كانت عبر التلفزيون أو وسائل التواصل الاجتماعي أو الإنترنت.
 
تتعدد مخاطر حرية الطفل وتشمل العواقب العقلية والنفسية والجسدية التي يمكن أن يتعرض لها الطفل في حال تعرضه لمحتوى غير مناسب لعمره. يعتبر الأطفال هم الأكثر عرضة لهذه المخاطر، حيث قد يتعرضون للعنف المقرون بالصور العنيفة أو المحتوى الأخلاقي غير اللائق، مما يؤثر سلباً على تطورهم النفسي والاجتماعي. إضافة إلى ذلك، فإن الأطفال غالباً ما يفتقرون إلى القدرة على تحليل وفهم هذه المحتويات بشكل صحيح، مما يعرضهم للخطر ويؤثر على صحتهم العقلية والنفسية.
 
يجب أن ندرك أن هذه المخاطر ليست جديدة، فقد كانت موضوعاً معروفاً منذ سنوات طويلة. ومع ذلك، يبدو أن هناك جهوداً متزايدة في الوقت الحاضر لمساندة هذه الافكار المدمرة وكأن هناك من يلعب دوراً خبيثاً على هذا الكوكب ولكن من واجبي وواجبنا جميعا محاربة هذا الفكر وحماية الأطفال. ولكن على الرغم من ذلك، قد يظهر بعض الأفراد بفكر "هجين" يسعون لتقديم حجج لدعم حرية الطفل المطلقة، دون أخذ في الاعتبار الآثار السلبية التي تقع على الطفل جراء ذلك.
 
يجب أن نتفهم أن توجيه ورعاية الطفل ليس مقتصراً على الدين أو الحريات الفردية. إنها قضية نفسية وتربوية وتنشئة سليمة للطفل. فالممارسات السليمة في توجيه الأطفال تجمع بين الأديان المختلفة والثقافات المتنوعة. بغض النظر عن انتماء الفرد الديني أو العرقي أو الثقافي، فإن الاهتمام بصحة وسلامة الطفل ينبغي أن يكون هدفاً مشتركاً.
 
لا يمت الأمر أيضاً بالضرورة للتقدم أو التخلف الحضاري، وإنما يتعلق بالقضايا الإنسانية الأساسية. فسواء كنا نعيش في العصر الحديث ونتبع الموضة الحالية، أو نحتفظ بالتقاليد القديمة وأسلوب الحياة الأقدم، فإن الأهم هو أن نضمن سلامة الأطفال ونساعدهم على تطوير صحة نفسية قوية ومتوازنة؛ اذن لا حجة لمدعي التطور والعولمة واصحاب الفكر الحديث.
 
لذا، يجب علينا التركيز على توفير بيئة مناسبة للأطفال تحميهم من المحتوى الضار وتشجعهم على اكتشاف العالم بطريقة صحية وملائمة لعمرهم. ينبغي للعائلة والمدرسة والمجتمع أن يتعاونوا معاً لتعزيز التوعية والتثقيف حول مخاطر حرية الطفل وتوجيههم بشكل سليم. يجب على الأهل والمدرسة والمسؤولين عن الطفل أن يكونوا على دراية بالمحتوى الذي يتعرض له الأطفال وأن يشرفوا على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت ويحددوا ما يمكن للطفل مشاهدته و التفاعل معه. 
 
كما يجب محاورة الاطفال ومناقشتهم بكل وضوح وصراحة لتوعيتهم بهذا الشأن وتحذيرهم من كل المخاطر التي قد يتعرضون لها، بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الحكومات والمؤسسات العامة والخاصة والمجتمع ككل بكافة مؤسساته ان يكون متعاوناً وان يكون جزءاً من الحرب ضد من يحاول افساد المجتمع ومسكه من نقطة ضعفه الاطفال، ويجب وضع سياسات وإجراءات لحماية الأطفال وتنظيم المحتوى الذي يتم تقديمه لهم وتعزيز التشريعات وتنفيذها بشكل فعال لمكافحة التعرض للاطفال وتحريضهم على اشكال مختلفة من الانحراف الفكري والنفسي والاجتماعي والخلقي وحمايتهم ايضاً من الاستغلال والإساءة والتحريض على العنف أو السلوكيات الخطرة التي يمكن أن يتعرضون لها.
 
يجب أن يكون لدينا رؤية شاملة لتقنين حرية الطفل ومتابعة تحركاته وذلك لحمايته بناءً على احتياجاته العمرية ومدى استيعابه وتبعاً لما يجب ان يكون من اهتماماته بما يفيد نموه وتطوره ومصلحته لتكوين بيئة آمنة وصحية ومحمية للأطفال بطريقة مسؤولة، وتمكنهم من تطوير إمكاناتهم وتحقيق ذواتهم وبناء مستقبلهم بثقة وأمان تام بعيداً عن كل ما هو مضر ومسيء وهدام.
 
كما يمكن للمدارس والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني والخطاب الديني والمعاهد والنوادي الرياضية و الاجتماعية أن تلعب دوراً هاماً في تقديم برامج توعوية وتثقيفية للأطفال وأولياء الأمور حول مخاطر استخدام غير آمن للتكنولوجيا ووسائل الاتصال.
 
فحماية الطفل ليست بالأمر السهل في هذا العصر المليء بالاشرار والاجندات والمؤامرات، وهذا يحتاج توازناً بين الحماية والتوجيه والتوعية والحرص. لهذا يجب علينا جميعاً توفير بيئة آمنة وداعمة للأطفال حيث يمكنهم التعلم والنمو والاستكشاف بحرية، وفي الوقت نفسه نحميهم من المخاطر والتأثيرات الضارة بمعنى ان يتعلموا كيفية استخدام التكنولوجيا لصالحهم واخذ الصالح والبعد عن الطالح ولا يمكننا ابدا الاعتماد على الطفل وان ابدى وعياً وحرصاً فالطفل مازال قيد النمو ومن هنا يجب ان يكون قيد النظر والمتابعة فإن حماية الطفل هي مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الأسرة والمجتمع والمؤسسات لضمان مستقبل صحي ومشرق للأطفال.
 
ويتحقق العدل بحماية الأطفال من المحتوى غير المناسب لعمرهم على الإنترنت، بما في ذلك المواد الإباحية أو العنيفة أو المؤذية. يجب تنصيب برامج مراقبة الوالدين وتعليمهم كيفية استخدام الإنترنت بشكل آمن وهناك برامج يمكنكم وضعها على اجهزة اطفالكم لمراقبة مراسلاتهم وكل ما يتعرضون له من مواقع وبرامج على الانترنت خوفا عليهم ايضا من الاستغلال الجسدي باشكاله، وذلك لتوعيته بمخاطر التعاطي والتفاعل مع الغرباء عبر النت وتعليم الأطفال كيفية الابلاغ عن أي محتوى أو تفاعل يثير الشكوك.
 
كما يجب حماية الاطفال مما يمكن ان يتعرضوا له من تنمر وتحرش وتدخل في شؤونه ومعرفة بياناته ومعلوماته مما يشكل خطرا كبيرا على امنه وحياته. ومن الافضل ان يكون هناك جسرا من الصداقة بينكم وبين اطفالكم حتى يتشجعوا في الحديث معكم ومصارحتكم بمشاكلهم وتجاربهم وما يتعرضون له من مصاعب او تهديد او ابتزاز ويجب عليكم وقتها توفير الدعم اللازم لهم ومساندتهم بكل ما يحتاجونه.
 
كما يجب عليكم الانتباه لتحديد وقت معين لاستخدام الانترنت خوفا من الإفراط في استخدام التكنولوجيا بشتى انواعها ناهيك عن ادمان الألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، فيجب على الاطفال الانطلاق الى الحياة الحقيقية وممارسة الحرية الاجتماعية مع الاهل والاقارب والاصدقاء والجيران واللعب مع الحيوانات وفي احضان الطبيعة وممارسة الرياضة وأنشطة أخرى مثل القراءة واللعب في الهواء الطلق مع اطفال الحي، فالانغلاق على الشاشات يجعل الطفل متوحدا على نفسه لا يستطيع التعامل مع الاخرين وممارسة حياته الطبيعية.
 
كما يجب علينا ابعاد الأطفال عن المحتوى العنيف الذي يشاهدونه أو في تفاعلاتهم مع الآخرين عبر الإنترنت بشتى انواعه من العاب وفيديوهات وكلمات ومشاهد تحرض على العنف ضد النفس او ضد الاخرين كما ان استخدام الانترنت بشكل خاطيء من الممكن ان يعرضنا لكشف معلوماتنا الخاصة امام الغرباء الذي من الممكن ان يكون بينهم المجرم والحرامي والسارق والمتحرش، فيجب علينا حماية الخصوصية والأمان الرقمي ومعلوماتهم الشخصية، وكذلك الحذر من الهاكرز والاختراق الإلكتروني والاحتيال عبر الإنترنت والسرقة وانواع الكذب والادعاءات، كما يجب حماية الطفل ايضا من الناحية الصحية من الإشعاع والتأثير الإلكتروني وضوء الشاشات، وتشجيع الأطفال على الحفاظ على نمط حياة صحي ومتوازن يشمل النشاط البدني والنوم الجيد.
 
فالطفل لا يمكنه الاختيار ولا يمكن ان يعطى مطلق الحرية لأن الطفل يفتقد للنضج العقلي والعاطفي ويعتبر الأطفال أكثر عرضة للتأثيرات السلبية للمحتوى غير المناسب والتجارب السلبية عبر الإنترنت بسبب نضجهم العقلي والعاطفي المحدود. قد يكونوا غير قادرين على فهم وتحليل الأخطار المحتملة أو التعامل معها بطريقة صحيحة، ولحمايته من التأثيرات النفسية والاجتماعية التي سيتعرض لها عند تعرضه للعنف او التنمر الإلكتروني ولحمايته من المحتوى غير المناسب والتفاعلات الضارة والمسيئة التي تضعه في اطار  الإساءة النفسية والجسدية.
 
ويجب علينا حمايتهم عبر الحفاظ على خصوصيتهم وتأمينهم من المحتالين والاستغلاليين والحفاظ على سلامته الشخصية، يجب علينا تحديد وقت لاستخدام الانترنت يجب على الطفل ان لا يتعداه في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي او الالعاب الالكترونية، حتى لا يصاب بالادمان اضافة لصحته العقلية والنفسية والجسدية والمحافظة على نظره وعموده الفقري وتركيزه ونومه، فالطفل لا يمكنه ابدا ان يقرر او ان يختار لانه مازال غير قادر على تقييم المخاطر و التداعيات السلبية المحتملة لتلك الأمور.  
 
افتقارهم إلى الوعي والادراك والدراية التامة بكافة الامور وافتقارهم الخبرة والنضج العقلي لاتخاذ قرارات مناسبة وتحمل المسؤولية وعدم مقدرتهم التمييز والحكم على الاشياء والاشخاص وعدم قدرتهم على الدفاع عن انفسهم وحماية ذواتهم من المخاطر المحتملة في العالم الافتراضي. فهم لا يستطيعون استخدام وسائل الكبار وحنكتهم ودهائهم وخبثهم، فهم مازالوا يحملون البراءة واللين كما انهم لا يستطيعون تقييم البشر وتفسير الاحداث ولا يمكنهم ايضاً تحديد الأماكن الآمنة والاشخاص الموثوق بهم كما قد ينقص الأطفال القدرة على التحكم في وقتهم والتوازن في حياتهم بين استخدام التكنولوجيا والانترنت وبين الدراسة والرياضة والتفاعل الاجتماعي الحي والمباشر يجدون صعوبة في التركيز على الأنشطة الأخرى والحفاظ على توازن حياتهم اليومية.
 
ينقص الأطفال الوعي والمعرفة اللازمة لفهم المخاطر والتحديات التي يمكن أن يواجهوها عبر الإنترنت وفي التكنولوجيا لان الاستخدام العشوائي من الممكن ان يؤدي الى نتائج لا يحمد عقباها من الانتحار والاكتئاب وسرعة الغضب والانهيار النفسي والتوحد على الذات والعزلة الاجتماعية والبعد عن الاهل والجمعات الاسرية وغيرها كثير ومن هنا نقول ان الأطفال امانة في اعناقنا يجب حمايتهم والحفاظ عليهم حتى يصبح كل واحد منهم بالغا راشدا عاقلا واعيا فاهما مدركا، وبسن يؤهله للاختيار واتخاذ القرار والمضي قدما في حياتهم وشؤونهم العامة والخاصة.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

شيروان الشميراني

أحداث البرلمان وتعمد التعطيل

أن يحدث الاشتباك والمناوشات بالأيدي والكراسي داخل القاعات لاسيما في مجلس النواب وعند تمرير المسائل الحساسة، أمر معروف مشهود على المستوى العالمي، أن يحدث الكسر في الرؤوس يدخل في باب القبول أيضاً لأنه كسر أهون من كسر بالإطلاقات والقنابل اليدوية، لكن ان تكون المناوشات مبرمجة وبقصد التعطيل لأن النتيجة لا تساير هواك، فهذا خارج النيات الصافية والعمل المخلص الجادّ.