بوادر فشل مسارات التطبيع مع دمشق

12-08-2023
عبد اللطيف موسى
الكلمات الدالة سوريا بشار الأسد الولايات المتحدة ايران روسيا
A+ A-
 
لعل السؤال الذي يتبادر الى أذهان كل متتبع لسير الأحداث والتطورات المتسارعة في الأزمة السورية عن مدى فرص نجاح مسارات التطبيع بين الدول العربية وتركيا ودمشق، وهل حققت فرص التطبيع النتائج المتوقعة منها، وهل تحققت طموحات الشعب السوري الذي يعاني من أزمة اقتصادية شديدة في سبيل توفير ابسط مقومات المعيشة اليومية أو تحقيق أي انفراجه أو أحداث أي خرق في وضع نهاية للأزمة السورية كلها جملة من الاسئلة تتطلب سير الأحداث في الأزمة السورية تسليط الضوء عليها.
 
في العودة الى الظروف التي استدعتها التوجه نحو تحقيق مبادرات التطبيع مع ادارة دمشق من أجل دفعها الى تنفيذ بعض الاستحقاقات الاساسية لتمهيد الأرضية الى ايجاد تفاهمات في صياغة بعض الحلول لتلك الازمة، وفي تشخيص الظروف التي دفعت تلك الدول في تحقيق أي اختراق يفضي من شأنه للحل مع دمشق عبر التوجه الى التطبيع، لتكون مصالح بعض من تلك الدول الاساس والأرضية لتنطلق منها مسارات التطبيع مع دمشق الى تحقيق استحقاقات سياسية تناسب مصالح تلك الدول وتحالفاتها في السعي الى دفع دمشق للخروج من الحضن الإيراني والتخلص من هيمنتها على مصادرة القرار في دمشق، ودفع سوريا في العودة الى الحضن العربي وتحقيق انخراط الدول العربية في المشاركة في قرارات دمشق وفعالية تلك الدول في الأزمة السورية.
 
وكما أن مشكلة المخدرات التي افتعلتها بعض الجهات المتنفذة في دمشق لتصبح دمشق في ظل الفلتان الأمني وفقدان مركزية السيطرة على الأراضي السورية الى جعل دمشق اكبر قاعدة مهددة للأمن القومي في الشرق الأوسط  من خلال  تصدير المخدرات والمواد المخدرة الى تلك الدول ولاسيما الاردن والدول الخليجية، وكذلك الازمة الاقتصادية والانسانية والمعيشية في سوريا التي وصلت الى مستويات مخيفة تهدد بتفكك المجتمع السوري وانهيار الدولة السورية حسب توقعات مراكز الدراسات ومؤسسات صنع القرار العالمية، وكما أن تجسيد الصراع الخفي على السلطة وتوسيع وتحقيق النفوذ بين محاور الصراع على السلطة في العالم ممثلة بالولايات المتحدة والناتو وروسيا وايران والصين وكوريا الشمالية في جعل سوريا الحديقة الخلفية  للصراع في الأزمة الاوكرانية، واستثمار تركيا لذلك التطبيع في تحقيق دعاية انتخابية موجهة الى الداخل التركي في انتخاباتها والمساومة مع الدول الفاعلة في الأزمة السورية لتحقيق مصالحها في سوريا على حساب التطبيع مع دمشق.
 
في التشخيص لأهمية سير الأحداث والظروف التي أدت الى  لتوجه نحو تحقيق التطبيع مع دمشق يمكن للقارئ الكريم أن يستنتج مدى فرص نجاح مبادرات مسارات التطبيع مع دمشق من عدمه في ظل النتائج والتطورات التي حصلت بعض تنفيذ مبدأ خطوة بخطوة تمهيداً للتطبيع لاسيما بعد خطوة اعادة شرعية دمشق في الجامعة العربية وزيارة بعض الشخصيات الدبلوماسية والسياسية وتخفيف بعض العقوبات الاقتصادية على دمشق انطلاقا من الجانب الانساني.
 
في دراسة السبب الاساسي الذي دفع الدول العربية الى التطبيع مع دمشق في الهدف الى ابعاد دمشق عن الحضن والهيمنة الإيرانية الى ما يسمى الحضن العربي بالعكس من ذلك تماماً ذات الهيمنة الإيرانية على دمشق، واصبح القرار السوري والسيادة السورية أكثر استباحة من ذي قبل عبر توسيع ايران لاتفاقيتها مع دمشق والدفع أكثر لميلشياتها الى سوريا ولتكون أشد ضراوة بالقصف الاسرائيلي الذي يكاد يكون شبه يومي على أماكن تواجد تلك المليشيات خير دليل على زيادة الهيمنة الإيرانية الى دمشق، مثلما الكثير من الدول العربية لم تستطع تحقيق أي خرق في وضع قدم لها في دمشق سوى بعض المبادرات الخجولة لفتح مقر بعثات دبلوماسية فيها. 
 
ان عجز دمشق عن تنفيذ أي خطوة مقابل خطوة في اعادتها الى الجامعة العربية ادت الى جدية تفكير بعض الدول المتحمسة الى تحقيق حيادية واستقلالية صنع القرار في دمشق بالتراجع، في ظل عجز دمشق عن التحرر من الهيمنة الايرانية والروسية في استقلالية قراراتها لذا بقيت دمشق عاجزة عن اتخاذ أي خطوة مقابل اعادة مقعدها الى الجامعة العربية، وكذلك عدم قدرة بعض الدول ولاسيما الاردن في منع تجارة المخدرات ومرورها عبر أراضيها وقناعة الدول الخليجية باستحالة جدوى قدرة دمشق على منع كبار تجار المخدرات من صنع المخدرات على الاراضي السورية، وكذلك التعنت الروسي واستخدام الفيتو في مجلس الأمن والمساومة على منع التجديد لإدخال المساعدات الانسانية عبر معبر باب الهوى وباب السلام والمعابر الاخرى، مما دفع هذا القرار الولايات المتحدة والكثير من دول الاتحاد الاوروبي الى عدم تجديد ادخال المساعدات وعدم إعطاء الاعفاءات من العقوبات الاقتصادية والسياسية، وكذلك فشل بعض المساومات التركية مع روسيا والتلويح بنهاية مسار أستانا وانتهاء الاستهلاك الداخلي الموجه للشعب التركي في الدعاية الانتخابية ومسألة اللاجئين دفعت تركيا الى عدم الحماس لفكرة التطبيع مع دمشق وليبقى ملف محاربة الإرهاب ورقة تستخدمها تركيا للتلويح بها في الظروف التي تناسب مصالحها في المساومة مع الدول الفاعلة في الازمة السورية، وليناسب كل هذا الولايات المتحدة في إحداث احراج للدول العربية في استحالة جدوى قبول نظام دمشق بأي حلول تقود الى حلول للأزمة السورية، وكذلك خروجها من الاحراج امام المنظمات العالمية ومنظمات حقوق الانسان بأن عقوبتها على دمشق هي ما يمنع الحلول أو احداث أي خرق في الأزمة السورية ولتكون المقابلة الأخيرة لهرم السلطة في دمشق بشار الاسد مع احدى القنوات الاقليمية الرصاصة الاخيرة في تحقيق أي تقدم بشان مسألة التطبيع من خلال تصريحاته التي كانت أبعد ما تكون عن أي حلول واقعية تناسب ايجاد أي حل في الأزمة السورية والتي دلت على تعنت دمشق واصرارها على مواقفها السابقة في دلالة على عدم استقلالية قرارها السيادي. 
 
في المحصلة، يمكن لنا أن نستدل من خلال عرض ما سبق من الأسباب وضرورات ونتائج مبادرات التطبيع مع دمشق عدم توافر أي فرص في نجاح مبادرات مسار التطبيع في ظل تمسك كل الدول بمواقفها السابقة، والسعي الروسي الى جعل دمشق الحديقة الخلفية للازمة الاوكرانية وتصدير ايران مشروعها المذهبي والمساومة التركية وابتزازها في الازمة السورية، ولكن مع غياب مبادرات نجاح التطبيع لتبقى الأزمة السورية مفتوحة على كل الاحتمالات ولاسيما التصعيد الأخير بعد التحشدات الاميركية والإيرانية لقوتها، وزيادة الاحتكاك الروسي الأميركي على الأرض السورية لتنذر بمواجهة من نوع آخر يكون ضحيتها الشعب السوري.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

شيروان الشميراني

أحداث البرلمان وتعمد التعطيل

أن يحدث الاشتباك والمناوشات بالأيدي والكراسي داخل القاعات لاسيما في مجلس النواب وعند تمرير المسائل الحساسة، أمر معروف مشهود على المستوى العالمي، أن يحدث الكسر في الرؤوس يدخل في باب القبول أيضاً لأنه كسر أهون من كسر بالإطلاقات والقنابل اليدوية، لكن ان تكون المناوشات مبرمجة وبقصد التعطيل لأن النتيجة لا تساير هواك، فهذا خارج النيات الصافية والعمل المخلص الجادّ.