كاكا شريف ورواتبه

27-01-2024
محمد شيخ فاتح
الكلمات الدالة رواتب وزارة المالية العراقية إقليم كوردستان
A+ A-


أسبوعان وكأنهما سنتان من الانتظار، سؤال تكرر مراراً، ليس من جانب واحد أو اثنين بل الجميع يتساءل: متى يصل المال؟
 
استبشر الناس عندما سمعوا في (14 كانون الثاني 2024) أن مجلس الوزراء العراقي قرر صرف 618.5 مليار دينار لإقليم كوردستان، لأن القرار "تمويل" وكان التوقع المنطقي أن يصل المبلغ المذكور خلال أسبوع، أي بين 18 و25 من هذا الشهر، حيث أن وزارة المالية الاتحادية تمول الوزارات شهرياً خلال تلك الفترة.
 
القرار يشير إلى أن جلسة لمجلس الوزراء بحثت هذا الموضوع، وأن موضوع الرواتب وتمويل إقليم كوردستان أدرج في جدول أعمال مجلس الوزراء العراقي بناء على طلب من رئيس إقليم كوردستان.
 
كان الحديث يدور حول موعد وصول المال، وكان الناس يتطلعون إلى بغداد لدفع رواتبهم، لكن جاءت صواريخ من إيران، وكان يجب أن تشعر وزارة المالية الاتحادية فرع أربيل للبنك المركزي العراقي، لكن نشر كتاب لوزارة المالية العراقية ينتقد ويدين قائمة رواتب إقليم كوردستان.
 
هذا الكتاب لا ينبغي أن يتسبب في تأخير التمويل، لأنه صدر في بداية الشهر بينما صدر قرار مجلس الوزراء في منتصف الشهر، لكن سرعان ما ظهرت آثار الكتاب على وجوه الناس.
 
وصل رئيس إقليم كوردستان إلى بغداد في (13 كانون الثاني 2024) ومكث فيها يومين، وانتهز يوم شهيد المحراب ليوضح في خطاب له الأوضاع الصعبة لمتقاضي الرواتب في كوردستان لأصحاب القرار في العراق، ثم كانت له سلسلة اجتماعات ولقاءات مع المسؤولين الحكوميين والأطراف السياسية، ما ميز هذه الزيارة والاجتماعات عن سابقاتها هي نتيججتها الإيجابية الملموسة حيث قررت الحكومة الاتحادية العراقية صرف أكثر من 618.5 مليار دينار لإقليم كوردستان.
 
مبلغ الـ618 مليار دولار هذا كان مختلفاً عما سبقه، فهو أولاً وصف بصفة التمويل وليس الإقراض، وثانياً ورغم أنه كان في إطار الإنفاق الحقيقي فإنه كان أكثر بكثير من التمويلات السابقة، فقد كانت السابقة عبارة عن 500 مليار دينار.
 
عندما أتحدث عن هذا الموضوع أتعامل معه كأرقام، وما أراه هو أن 618 مليار دينار سيأتي ويساهم في تشغيل 320 مليار دينار من العائدات المحلية، وبهذا سيتدفق إلى الأسواق في النهاية مبلغ 913 مليار دينار.
 
هذا الرقم لا يفرح فقط 1.2 مليون شخص، بل أن غير متقاضي الرواتب فرحون به كمتقاضي الرواتب، فأصحاب المحلات والكسبة والأسواق، كل هؤلاء يتطلعون إلى الـ913 مليار دينار الذي يخرج من جيوب 1.2 مليون متقاض للرواتب.
 
أعود إلى حكاية كتاب وزارة المالية العراقية. في بداية كانون الثاني 2024، وجهت هذه الوزارة كتاباً إلى إقليم كوردستان حددت فيه بست نقاط العيوب في قائمة رواتب إقليم كوردستان، فأشارت إلى عدم التمييز بين الجنسين (الذكور والإناث) في القائمة، وعدم تصنيف متقاضي الرواتب حسب وزاراتهم، وأشارت في جانب آخر إلى أسماء مكررة وأن هناك من يتقاضى راتب الرعاية الاجتماعية واسمه وارد في قوائم المتقاعدين، أو هناك أسماء وردت مرتين قوائم المتقاعدين.
 
الكتاب في ظاهري إداري ومالي، لكنه متخم بمواضيع أخرى، فعندما أدقق في كتاب وزارة المالية العراقية أشعر بالأسى على النظام البايومتري، ولا يردعني شيء عن القول: السيد قوباد طالباني نائب رئيس وزراء إقليم كوردستان، أنتم المسؤول الأول عن ملف التسجيل البايومتري للموظفين وقد شغل الناس بهذا الموضوع لسنوات، بل كان مقرراً أن يحذو العراق حذونا في هذا، فلماذا ظهرت الأسماء المكررة؟ أرجو أن تتابعوا هذا الموضوع.
 
وقبل هذا، وجهت الخطاب لوزارة المالية وأخبرتهم برأيي عن هذا الكتاب وعن الكتب الأخرى التي ستليه.
 
في 23 و25 من هذا الشهر، تحدث مع أصدقائي في وزارة المالية والاقتصاد بحكومة إقليم كوردستان، هم ناقمون على الكتاب ويصفونه بالمهزلة، وكانوا يؤكدون أن "لا عيب قطعاً في قائمة الرواتب"، ولهذا وصفوا موقف العراق بأنه "مضايقة"، وأخبروني أن الموضوع سياسي بحت ولا أساس له، لكن الذي كان يزعجهم أكثر هو الترويج لهذا الكتاب في داخل إقليم كوردستان، لذا قلت لهم وبلا تردد، كان عليكم أن تردوا عليه في حينه، إذ لا يصح الآن، ولا ينبغي أن تتركوا متقاضي الرواتب لوحدهم، منذ كم من الأيام صدر هذا الكتاب ولماذا كنتم ساكتين عليه؟
 
الفساد والعيوب عند المقابل ليس مبرراً لتكون أنت أيضاً فاسداً. لكن عندما اطلعت على هذا الكتاب خيل لي أنه صادر عن وزارة المالية السويسرية، الحكومة العراقية عندها 10 ملايين من متقاضي الرواتب، أربعة ملايين منهم موظفون، وحكومة السيد السوداني قامت خلال سنة بتعيين نحو مليون شخص، ومستوى إنتاج موظفيك هو أقل من 20 دقيقة في اليوم، ويتضخم القطاع العسكري ونفقاته باستمرار، لكنهم يتابعون عيوب إقليم كوردستان بالمايكروسكوب!
 
السيدة طيف سامي، عندي سؤال لك: أنت تصرفين في السنة أكثر من 3.4 ترليون دينار لقوات الحشد الشعبي، فهل عندك الأسماء الثلاثية لجميع الـ238 ألفاً؟ وتصرفين في السنة 25 ترليون دينار للقوات الأمنية فهل عندك بالفعل الأسماء الثلاثية لجميع منتسبي الاستخبارات العسكرية ومكافحة الإرهاب والقوة الذهبية وغيرها من القوات المسلحة الأخرى؟ فهناك الآلاف من متقاضي الرواتب والعديد من النفقات المرتبطة بالأمن الوطني.
 
سمعت أنكم قلتم أن شخصاً اسمه شريف، يتقاضى رواتب من ثلاث جهات، ألا تقولون إن إقليم كوردستان لم يرسل الأسماء الثلاثية لمتقاضي الرواتب، فكيف عثرتم على شريف هذا؟
 
في يوم (24 كانون الثاني 2024) كنت أناقش هذا الموضوع مع الزميل هستيار قادر من قسم الشؤون العراقية في رووداو، وذكرنا أن المسؤولين العراقيين تحدثوا عن أمور أخرى أيضاً، كانوا يقولون إن بحثاً عشوائياً كشف لهم تلك الأسماء ولو أنهم بحثوا بدقة لوجدوا المزيد من الأسماء.
 
حسناً، لنفترض أن هناك خمسة آلاف اسم مكرر، ولكن المبلغ اللازم لتغطية رواتب متقاضي الرواتب في إقليم كوردستان هو 913 مليار دينار وليس 618 مليار دينار، وعدد موظفي إقليم كوردستان هو 681900 موظفاً وليس 658 ألف موظف، لكن الحكومة العراقية عمدت من البداية إلى استقطاع 35% من أموال متقاضي الرواتب، وبهذا لا يكون للحديث عن هذه الآفا القليلة ذا قيمة، وعندما تحدثت مع صديقي في وزارة المالية عن هذه الآلاف، قال "لا ليسوا بآلاف".
 
تصرف الحكومة العراقية 86 ترليون دينار لموظفيها، لكنها خصصت فقط 9.3 ترليون دينار لإقليم كوردستان، وصرفت منه ستة ترليونات فقط وهو مبلغ يعادل 5% فقط من المبلغ الذي تصرفه لموظفيها.
 
لم أكن قط من محبي الكلام المغلف، ولهذا لا أخفيكم القول إن هذا الكتاب لا يختلف في شيء عن الصواريخ التي استهدفت أربيل، فالاثنان حزمة واحدة ومن مصدر واحد، والهدف واضح، إنها حرب لكسر العظام، الصواريخ تلحق أضراراً بملايين الدولارات بإقليم كوردستان وأربيل واستهداف لمليارات الدولارات، وهذا الكتاب هو المكمل لهذه الحرب التي هي نفسية، وإلا فإن قرار صرف 618.5 مليار دينار قد صدر، فلم هذه الملاحظات، ولأن السوق والناس مرتبطان دائماً بالحالة النفسية، فإن وضعاً متشائماً يلف الآن أسواق كوردستان، وهذا الوضع أخلى الأسواق من مرتاديها كما فعلت الصواريخ.

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

شيروان الشميراني

أحداث البرلمان وتعمد التعطيل

أن يحدث الاشتباك والمناوشات بالأيدي والكراسي داخل القاعات لاسيما في مجلس النواب وعند تمرير المسائل الحساسة، أمر معروف مشهود على المستوى العالمي، أن يحدث الكسر في الرؤوس يدخل في باب القبول أيضاً لأنه كسر أهون من كسر بالإطلاقات والقنابل اليدوية، لكن ان تكون المناوشات مبرمجة وبقصد التعطيل لأن النتيجة لا تساير هواك، فهذا خارج النيات الصافية والعمل المخلص الجادّ.