سيظل اسمي.. كوردستان

26-09-2017
الكلمات الدالة كوردستان مؤيد رشيد
A+ A-

أنا  امرأة كوردية ولدت هنا في واحدة من القرى المنتشرة في ربوع كوردستان، واسمي كوردستان، عمري مرتبط بالأرض التي عليها أعيش، هذا هو وطني الذي أعرف وليس لدي وطن سواه، لم تكن حياتي سهلة ولا يسيرة، فقد تعرضت لحروب مستمرة، وتهجير ونفي وتشريد، توزع قومي في بلاد الغربة عمراً طويلاً ولعقود تزيد، قدمت الكثير من التضحيات، فقدت الأخ والعم والخال، تحملت الكثير من الظلم، ولكنني اليوم عندي بيت ووطن اسمه كوردستان وبعد طول انتظار، كيف أصف لكم بلادي، جبال شاهقة مزدانة بخضرة الأشجار، أشجار مثمرة تمتد نزولاً إلى الوديان، وعندنا سهول خضراء وجداول وعيون ماء عذب رقراق، والشلالات تجري تنساب صيفاً وربيعاً، وحتى في الشتاء، والثلوج بلونها الأبيض تكلل قمم الجبال في منظر خلاب في موسم الشتاء، عانينا كثيراً فيما مضى وقدم شعبنا الكثير من التضحيات، ولكننا ومنذ عقدين ونصف من الزمان، بدأنا مسيرة الإعمار والتقدم والبناء، طموحنا أن نصير مثل الإمارات في جمالها ورقيها وتنظيمها، نحن نعمل على ذلك ونضعه أمام أعيننا كهدف نصبو إليه لأجل تحقيقه، وبهذه الكلمات البسيطة تصف هذه المرأة الكوردية البسيطة بلادها.

صَمْتكم إخوتي العرب أيها الوطنيون أيها الشرفاء في ربوع الوطن العربي حول استفتاء شعبي وحقه في تقرير مصيره، أتمنى أن يكون أقرب إلى التعاطف منه إلى الرفض والعداء، حقائق التاريخ والجغرافيا وعلوم الديموغرافيا لا يمكن التغافل عنها لأنها تمثل واقعاً شديد القوة كحقيقة على المساحة التي نعيش عليها  بعنصريها الأرض والإنسان، فالكورد يمثلون القومية العظمى من السكان ويتكلمون لغة واحدة وتاريخ وتراث وعادات وتقاليد وفنون والكثير الكثير من المشتركات، ولنا أهداف وطموحات واحدة كلها تهدف للعيش بسلام، رغم التدخل الإيراني الواضح والفج لإثارة الفرقة بيننا وكعادتهم ودوماً.

كل بيت كوردي أعطى الكثير من التضحيات على مدى أربعة عقود وأكثر من الزمان,، ما جرى لنا خلال تلك العقود شبيه لحد الصدمة وإلى حد الدهشة لما حدث ولا يزال يحدث حتى اليوم، لأهالي المدن والقرى في محافظات الأنبار وديالى وصلاح الدين والموصل من قتل وتهجير ودمار، وكأن التاريخ يكرر ويعيد نفسه ولكن العدو اليوم هو أيران.

منذ بداية التسعينات وحين فرضت أمريكا وحلفاؤها مناطق حظر الطيران على شمال وجنوب العراق، بدأنا بالعودة من منافينا وغربتنا إلى الوطن البيت كوردستان، لنبدأ مسيرة البناء والإعمار، حيث صار هناك أمن وأمل يتجدد وأمان.

 وبعدها بسنوات وبعد غزو العراق وتدميره بشكل ممنهج ومدروس، آلينا على أنفسنا أن نسير عكس التيار، تيار الهدم، وأن نستمر وبعزم أكبر على البناء، وباتت حركة الإعمار والتقدم تسير بخطوات أكثر تسارعاً وقوةً وتنظيماً عندنا في كوردستان، كان خوفنا وهاجسنا الكبير أن تمتد إلينا زحفاً يد الخراب التي اجتاحت كل مدن العراق دون رحمة ولا استئذان، فمنذ ذاك العام كرسنا أنفسنا ومقدراتنا على استقلالنا الذاتي مما شكل لنا دافعاً ومحفزاً للاستقرار.

منذ ثلاثة عشر عام أصبحنا ملاذاً آمناً ووطناً بديلاً لكل المهجّرين قسراً وقهراً من محافظات العراق، موجات بشرية، مئات الآلاف  تترى تلوذ بنا وإلينا، ولتأتي وعلى أثرها تباعاً المزيد من الموجات، كنا ولا نزال وسنظل ملاذاً آمناً لأكثر من ثلاثة ملايين لاجئ من المشردين النازحين من سوريا كانوا أم من العراق، فكلنا إخوان في المصيبة دون استثناء. 

أدعوكم إخوتي العرب للقيام بزيارتين، أولاهما إلى بغداد لكي تشاهدوا بأنفسك عاصمة الرشيد والخلافة العباسية، أو أي مدينة سواها خارج إقليم كوردستان ودون استثناء، ستُصدمون من حجم الدمار والخراب والإهمال، ومظاهر الفقر والعشوائية "والكتل الكونكريتية التي تفصل بين الأحياء كرمز للفصل العنصري والطائقي"، ناهيك عن فقدان الأمن والأمان، مدن وقرى ليس فيها ماء ولا كهرباء ولا بنى تحتية وتفتقر لأبسط الخدمات، تردٍ في التعليم والصحة، لا زراعة بقيت، ولا صناعة ولا مصانع ولا إنتاج،  أراض قاحلة مهجورة كلها باتت بوار في بوار، ومليشيات تحكم وتتحكم بمصائر العباد، خطف وقتل ونهب في وضح النهار، هذا هو ما أنتجه حكم الأحزاب الدينية وتفشي الطائفية لتعطي للعالم أقبح صورة وأوضح مثال للفشل.

الزيارة الثانية يا أصدقائي وإخوتي وأشقائي العرب أرجو أن تكون إلى الشمال، إلى إقليمنا كوردستان، إلى أربيل والسليمانية ودهوك، والتي تزدان وتتألق بكل ألوان الطيف ربيعاً وصيفاً وخريفاً وشتاءً، خضرة وماء وعليلة عندنا نسمات الهواء، سوف تجدون ما يسركم ويبعث الراحة والأمان والطمأنينة في قلوبكم، سترون الفرق الكبير ما بينها وبين باقي أجزاء العراق كالفرق بين الثرى والثريا، نظافة وخدمات تعليمية وصحية وبنى تحتية، مدارس ومستشفيات مبان حديثة وأحياء ومدن راقية، شبكة من الطرق والجسور وشوارع مرتبة ونظيفة ومولات ومراكز تسوق كبيرة، زراعة وصناعة تنمو وتزدهر، مقومات للحياة حية وملموسة، كل قرانا ومدننا تسعى حثيثاً نحو التقدم والحضارة والمدنية، ناهيك عن استتباب الأمن والأمان وسيادة القانون والنظام، هؤلاء هم قومي وهم يستحقون الحياة، ويعرفون طريقهم جيداً رغم كل الألغام التي تحوطهم وسط بلد وجوار وإقليم مضطرب يمور بالكوارث من حولهم، هم يسيرون نحو هدفهم بكل عزيمة ودأب وإصرار.

حَزنّا حين سقطت مدينة الموصل جارتنا الحدباء بيد الغرباء، وحَزنّا أكثر حين دُمرت حضارتها وتراثها وطال الخراب جامعاتها ومدارسها ومستشفياتها وجوامعها وكنائسها وطرقها وكل جسورها وأغلب أحيائها، لقد كانت حرب تدمير بحجة التحرير، وسيظل يتحدث عن تلك المأساة دوماً التاريخ، وحَزنّا قبلها بعد أن تم تدمير العراق، حافظنا على إقليمنا ضد أطماع الغزاة الجدد، فنحن لا نريد أن يكون مصيرنا مثل مصير بقية مدن العراق، نحن لا نقبل أن نكون لقمة سائغة على موائد الضباع، نحن نسعى حثيثاً للحاق بالحضارة والمدنية ونهرب من الموت والدمار الزاحف نحونا وإلى كل مكان، هرباً نحو التقدم والبناء، نحن ببساطة نهرب من الموت، نحو الحياة.

سيحاربوننا لأجل ذلك نعم وبالتأكيد، سيقاتلونا ليمنعونا ربما، لقد تعودنا على الحروب والقتال، فذلك ليس علينا بجديد، ولكننا وبكل بساطة سنظل أرضاً وسماءً وشعباً وتاريخاً وتراثاً وحضارة، وتحت أي ظرف أو مسميات، فيدرالية، انفصالية، حكم ذاتي كان أم استقلال، سنظل أمة كوردية وطننا بكل ما يحويه من تنوع إثني وحضاري سيظل وسيبقى اسمه واسمي كوردستان.

هذه بلادي، أنا أوجه الدعوة لحضراتكم إخوتي وأشقائي وأصدقائي من المحيط إلى الخليج لزيارتها، حين تصلون إلى مطار أربيل اسالوا عني أنا اسمي كوردستان، وسأكون موجودة وإخوتي في انتظاركم واستقبالكم والترحيب بكم، وسنأخذكم دوماً بالأحضان، فعسى انتظاري لا يطول.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية.

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب