عدنان المفتي لرووداو: تفاجأت من وجود يهود معتقلين معنا في الأمن العامة عام 1971

09-05-2024
معد فياض
الكلمات الدالة عدنان المفتي
A+ A-

رووداو ديجيتال 

لم تكن قلعة اربيل منفصلة عن العالم، او منعزلة عن الآخرين، بل كات تتواصل عن طريق اهلها، وتراقب ما يحدث في الدنيا، خاصة عندما وصل التيار الكهربائي اليها وانتشرت اجهزة المذياع(الراديو) الى مقاهيها وبيوتها.. وصا الناس تسمع بوضوح دقات ساعة (بك بن) من طرف ويستمنستر في قلب العاصمة البريطانية عبر أثير اذاعة الـ (بي بي سي) وياتي صوت المذيع الرخيم معلنا"هنا لندن". العراقيون كانوا يثقون بعمق بالاخبار التي تنقلها هذه الاذاعة.


"كان الصمت يسود بيتنا تماما عندما تبدأ نشرة اخبار الـ (بي بي سي)". يقول السياسي الكوردي عدنان المفتي، كاشفا عن ان:"والدي مهتم جدا بالراديو وبسماع الاخبار ومتابعا ما يحدث في العالم عبر هذا الراديو..هذا قبل ان يصلنا البث التلفزيوني المشوش تقنيا عام 1965، متحدثا عنه:" في زمني كان هناك كهرباء في القلعة وراديو ثم جاء التلفزيون عام 1965 حيث افتتحت محطة تلفزيونية في كركوك ثم في الموصل وكان الناس يضعون فوق السطوح هوائيات(اريل) عالية  جدا لسحب البث التلفزيوني، وبالرغم من اننا كنا نشاهد صور غير واضحة، شبحية، الا اننا كنا نتابع البث التلفزيوني..الراديوكان مهم جدا للوالد الذي كان مهتما بسماع الاخبار من هيئة الاذاعة البريطانية الـ( بي بي سي) وغيرها، وكان الجميع يصمت عندما يحل موعد الاخبار".

معترك السياسة

مثل حكاء ساحر ينقلنا المفتي الى عالمهم، عالم قلعة اربيل قبل ان ينتقل من هناك الى حمأة الاحداث والحياة الصاخبة في العاصمة بغداد..بغداد عاصمة كل العراقيين وهي الحاضنة للعرب والكورد ولكل الاطياف الاثنية والدينية..مدينة منفتحة نحو الجميع وتتقبل كل الافكار والطروحات بصدر ماسع..بغداد الام التي تحتضن بحنان كل ابنائها.

في الحلقة الثانية من البرنامج الحواري"ملفات عدنان المفتي"، الذي يُبث عبر رووداو عربية الساعة التاسعة مساءا، كشف المفتي لنا عن اول تجاربه السياسية عندما صارت على المحك ويوم وجد نفسه معتقلا لاسباب سياسية واكتشف ان من ينام الى جانبه في معتقل دائرة الامن العامة ببغداد محامي يهودي لايعرف ما هي جريمته التي قادته ويهود آخرين الى هذا المحبس.

يقول:"اول محطاتي السياسية، لا اعرف بالضبط متى، كنا اطفال، لكن تنظيميا في عام 1963 عندما جاء حزب البعث للسلطة وبدون ادراك منا كنا نتصور ان مجيئهم(البعثيون) لصالح الكورد، لانه في عهد عبد الكريم قاسم شنت حرب ضد الكورد في كوردستان.. ادراكنا وقتذاك ليس مثلما اليوم حيث اعتبر اليوم قاسم شخص وطني، والاخطاء التي حدثت من قبله واطراف تابعة له، وايضا اخطاء تسببنا نحن بها، صنعت شرخ بينه وبين الحزب الديمقراطي الكوردستاني وادت الى اندلاع الحرب، لكن وقتذاك كنا نتصور ان ح شباط 1963 لصالحنا". 

وبإيضاح أكثر، يقول: "بعد مرور شهر على الانقلاب اعلنت اذاعة بغداد ان الحكومة قررت منح اللامركزية للاكراد، وانا شخصيا اعتبرت هذا الاعلان انتصار كبير لنا، فذهبت الى المدرسة، وكنت في الصف الاول متوسط، وحرضت الطلبة بالهتافات وصارنا نهتف للثورة ونغني لنوروز ونضرب على الرحلات وخلقنا فوضى في المدرسة، جاء طلبة اكبر سنا منا، في الصف الثالث متوسط، والاستاذ حسن، والشيخ ابو بكر وشاهدوني اهتف، وكانوا يعرفون عائلتي وطلبوا منا التوقف كون الحزب(الديمقراطي الكوردستاني) لم يعلق على الانقلاب ولم يصدر اي رأي حول الـ (مركزية) لا نؤيدها ولا نقول اي شيء عنها، وبعد 3 ايام اتصلوا بي ونظموني بالحزب وكان ذلك في آذار 1963.

ينوه المفتي الى انه:"لم يكن هناك اي حزب سياسي قومي، كان الحزب الشيوعي وهو ليس قوميا، سابقا كانت هناك احزاب كوردية لكنها انتظمت ضمن الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وهو الحزب الكوردي القومي الوحيد وقتذاك".. ونشاطاتي كانت هي الحضور للاجتماعات في الخلية الحزبية خلف المدرسة  وكان مسؤول خليتنا الشيخ ابو بكر، ومن اعضائها :مريوان نامق وعبد القادر معروف وسيامند عبد الله، حيث نجلس على العشب ونتحدث عن الحزب وتعليماته والمواقف السياسية الراهنة، وناخذ النشرات الحزبية الى بيوتنا ثم نعيدها بعد ان نقرأها".

يتفاجأ المفتي بانه ليس الوحيد بين اخوته انتظم للحزب الديمقراطي الكوردستاني، يقول:"سبقني الى هذا النشاط اخواتي الاكبر مني وكن في الدراسة الثانوية وكانوا قد انتظمن للحزب وانا لم اكن اعرف ذلك، وعرفن بانتمائي فيما بعد ففي البيت كنا نخبئ على والدنا هذا النشاط  حتى لا نعرضه للاحراج كونه قاضي وبعيدا عن التحزب..رغم انه في داخله وحماسه للحزب وللقضية الكوردية لا يقل عنا، وكان يناقشنا دائما ويقول:ما افعله انا انتم لا تستطيعون فعله".. مثلا هو وضع عام 1956 المولد النبوي باللغة الكوردية، وهو أول خطيب في القلعة وفي اربيل، ربما، كان يُلقي خطبة الجمعة باللغة الكوردية وسابقا كانت تُلقى بالعربية وكان بعد القائها بالعربية يترجمها للكوردية، وكانت الناس مشتاقة لسماعها بلغتهم القومية، حيث لم يكونوا يفهمونها بالرغم من معرفتهم بطقوس الصلاة ومعرفة بعض الايات القرآنية والاحاديث النبوية دون ان يفهموها. ووالدي كان يعتبر ذلك نضالا من اجل القضية الكوردية، ولاحقا عندما ذهب الى الحج كان يتلوا شعائر الحج خلال الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة باللغة الكوردية ويتبعه العشرات من الكورد الذين كانوا يؤدون المراسم باللغة الكوردية وهم سعداء كونهم يفهمونها.  

 

انشقاق 1964

يحدث ما لم يكن في الحسبان ويُصدم عدنان المفتي، وهو الحديث بالعمل التنظيمي في الحزب..يقول:"نشاطاتنا كانت سرية ..لكن الامر الذي شل هذه النشاطات هو الانشقاق الذي حدث عام 1964 ، جناح المكتب السياسي، ابراهيم احمد ومام جلال الذي اثر على تنظيمات الحزب الديمقراطي الكوردستاني وسبب ذلك، بالنسبة لي صدمة.. طرحت الاتهامات داخل الخلية الحزبية ونحن داخلها  وصرنا جناحين.. انا بصراحة لم احسم امري وقتذاك وكنت في انتظار اللقاء بعمي شمس الدين ، وهو صديق مقرب للزعيم مصطفى بارزاني وصديق مام جلال ايضا ، لاحدد موقفي..ثم تاثيرات اصدقائي، محمود زامدار الذي كان اكبر مني ومن اصدقائي المقربين في بغداد.. وبقيت بداية مع جناح الديمقراطي لكوردستاني".

هناك متتاليات في حياة المفتي..فجأة يقرر مغادرة اربيل الى العاصمة بغداد، بعد ان ينهي دراسته المتوسطة، فهو من جهة لم يكن يفضل الدراسة الثانوية الاعتيادية، ومن ناحية اخرى اراد ان يكون في خضم الانفتاح الحياتي وسعتها وكأن اربيل لم تكن كافية له او غير متسعة لطموحاته، يقول:" كنت قد انهيت الدراسة المتوسطة ولم ارغب في اكمال الثانوية الاعتيادية في اربيل بل قررت الانتقال الى بغداد كنت احب بغداد واردت الدراسة في اعدادية التجارة المركزية في الوزيرية(بجانب الرصافة)، وايضا كان اقرب اصدقائي في بغداد واقنعت والدي باني اريد ان ادرس واعمل في ذات الوقت، ووافق على انتقالي..وكانت هذه مرحلة متوترة،  شد وجذب من الجناحين، بارزاني وطالباني". 

يوضح: "في الجبل حدث قتال بين الجناحين وواستشهد مقاتلين  من الجانبين وهذا شل كثيرا من التنظيمات في الحزبين لان غالبيتهم ابتعد عن التنظيم، بما فيهم انا حيث ابتعدت عن التنظيم لعامين لانني لم اعرف كيف اضع تقييما للامور بشكل قاطع، عندي اصدقاء في الطرفين واسمع اتهامات متبادلة حتى سنة 1966 او 1967 صار عندي وضوح".

في بغداد وجد عدنان المفتي نفسه في معترك الحياة..عاش قصة نضالين، نضال الحياة والعمل، ونضال السياسة، يقول:" في عام 1971، كنت موظف، معاون مدقق حسابات بجامعة بغداد، وفي ذات الوقت اداوم كطالب في الدراسة المسائية في الجامعة المستنصرية، اضافة الى مسؤوليتي الحزبية كبيرة وعندي 5 خلايا حزبية ..اذهب صباحا للدوام كموظف بجامعة بغداد واعود الساعة 3 وابقى ساعتين اما اذهب الى الجامعة المستنصرية او امضيها في الاجتماعات الحزبية  مع اتحاد طلبة كوردستان الذي كان مقره في الوزيرية،  بعض الاجتماعات كنت انجزها في الاتحاد حيث عادل مراد كان صديقي وخصص لي غرفة للاجتماعات ..وفي المستنصرية كنت مسؤلا لكني لست في الواجهة بل كان غيري في الواجهة والاتحاد كان تنظيما علنيا بعد بيان 11 آذار".

الاعتقال بدائرة الامن العامة

 كل حساباته كانت تؤكد عدم وقوعه في مطب الاعتقال مع ان هذا الاحتمال كان واردا جدا بالنسبة له وبالنسبة لاي سياسي..يتحدث عن تجربة الاعتقال، قائلا: "في آذار عام 1971 تم اعتقالي..كنا قد استأجرنا  مشتمل في منطقة البتاويين انا  والاستاذ صدر االدين جلبي، مدرس الفيزياء، وكان عبارة عن غرفتين ومطبخ، وكان هناك مطعم(كباب اربيل) في الباب الشرقي قريبا من البتاويين، يشتغل فيه عمال من اربيل، احدهم اسمه فاضل توبال وآخرين، كانوا منتظمين في خلية للقيادة المركزية ومراقبين من قبل الامن، وجاءوا في احد الايام للبيت بينما كنت في العمل وطلبوا من الاستاذ صدر الدين ان يضعوا اشيائهم في البيت لانهم مراقبون،  ووافق بعد ان اتصل بي طالبا رأيي وقبلت.. اسرد هذه الحكاية لاتحدث عن الحظ وكيف يلعب لعبته.. جلب العمال اغراضهم وكانت عبارة عن آلة كاتبة (طابعة صغيرة) وبيانات حزبية، وكان صدر الدين قد وضعها بغرفته وهي بجانب غرفتي، وفي غرفته كانت توجد مبردة هواء مغطاة بشرشف وانا اقترحت نقل الاشياء الى المطبخ وقلت له:"هؤلاء اذا تم اعتقالهم واكتشفوا الاشياء في غرفتك فسوف نتورط  لهذا قررنا نقلها الى المطبخ فاذا تم اعتقالهم واعترفوا فسنقول هؤلاء اصدقائنا ووضعوا اشيائهم هنا ولا نعرف عنها اي شيء". 

واستطرد "في اليوم الثاني عدت للبيت مع صديقي زكريا، وشقيق صدر الدين  وصلاح جلبي، اقترح زكريا خلال عودتنا الى بيتنا في البتاويين ان نشتري بيض وعندنا تمر ونقلي بيض وتمر، وهي اكلة كوردية شائعة عندنا، بدلا من الذهاب الى المطعم وصرف المزيد من الفلوس،  عند وصولنا الى البيت وعندما كنت افتح الباب شعرت بفوهة مسدس وضعت على رقبتي من الخلف، وعرفت ان الموضوع يخص العمال، وفي الداخل وجدت احد رجال الامن يجلس على الدرج وآخر فوق السطح وسالوني من اكون فاخبرتهم باني اسكن هنا مع صديقي، ثم اخذونا للامن العامة، عندما وصلت الى المعتقل وجدت صدر الدين واخوه مع العمال جماعة القيادة المركزية، نبهني فاضل توبال، عامل المطعم، بحركة، وضع كفه على فمه وهذا يعني بانه لم يقل اي شيء.. بدأ احد الضباط يحقق معي وقال لي تكلم لو اعلقك(اعلكك) قلت ماذا تريدني ان اتكلم.. ماذا اقول؟

يستطرد المفتي قائلا:"بقينا في المعتقل لمدة 13 يوم، لم اتعرض للتعذيب باستثناء عمال المطعم، الذي انقذنا اني اخبرتهم في التحقيق باني في الحزب الديمقراطي الكوردستاني..تركنا الضابط وذهب الى بيتنا في البتاويين مرة اخرى وفتش الغرفتين ثم عاد وتبدو عليه علامات الفرح كان قد عثر على دفتر ملاحظات صغير يعود لي وفيه اما 9 او 10 اسماء من اعضاء اتحاد طلبة كوردستان والى جانب كُتب اسم كل واحد اسمه الحزبي، قال الضابط لي: انت تقول انك عضو في الديمقراطي، فماذا تعني هذه الاسماء وضع الدفتر امامي؟ قلت هؤلاء كلهم في اتحاد طلبة كوردستان وهذه الاسماء قديمة والآن لا نضع اسماء حزبية ، هذا انقذنا، ثم  اوقفوا التحقيق ليومين وارسلوا المعلومات الى امن اربيل حيث اكدوا لهم باني وعائلتي محسوبين على الحزب الديمقراطي الكوردستاني ..بقينا هكذا حتى جاء عمي شيخ فتاح، واستطاع التواصل مع صالح يوسفي الذي اتصل بناظم كزار، مدير الامن العام وقتذاك، وزارنا عمي ومعه قدر(جدر) دولمة جاء به من اربيل وبينما كنت اتحدث معه عدت لاجدهم قد اكلوا كل االدولمة حيث كان هناك 80 شخص موقوف وهم خليط من العرب والاكراد".

معتقل مع اليهود

لكن المفاجأة التي حدثت في المعتقل هي وجود عراقيين يهود مع المفتي وجماعته يقول:"كان معنا يهود في المعتقل، بضمنهم محامي كان ينام معنا في الممر، سالته عن سبب اعتقاله قال:" كل شي ما مسوي.. كانت هناك هجرة يهودية عن طريق كوردستان ثم الى ايران ومن هناك الى اسرائيل، وهناك شكوك حولي بالتورط في هذه العمليات". كانت هناك عائلة يهودية من السليمانية وضعهم اكثر سوءا من وضعنا حيث تم اعتقالهم في زنزانة انفرادية مقالة لنا، وكنت اتحدث معهم". 

قبل ان يتم الافراج عن المفتي وجماعته حدث ما لم يكن في حساباته، يقول:"قبل ان يفرجوا عنا بيومين اقترب مني المحامي اليهودي، الذي نسيت اسمه، ربما كان حسقيل، وقال لي: اعرف انهم سيطلقون سراحكم قريبا وعندي طلب واريدك ان تعدني  بتنفيذه، قلت له اذا اقدر بعيني، قال عندي صديق اسمه فائق هوشيار يعمل في محكمة الكرخ، واريدك ان تذهب اليه وتخبره بان فلان، ويقصد نفسه، موجود في الامن العامة وما عندي اي مشكلة قانونية وممكن ان يتحدث مع (الاعظمي) حتى يطلقون سراحي. انا كنت اعرف هوشيار لانه كان صديق والدي او يعرفه في الاقل".

 يتابع السياسي الكوردي حديثه قائلا: "عندما خرجت من المعتقل تذكرت هذا اليهودي قبل سفري لاربيل، في اليوم التالي ذهبت الى فائق هوشيار في المحكمة ورحب بي واخبرته باني كنت في السجن وفلان، اليهودي، يسلم عليك فتغيرت ملامحه وقام واغلق الباب كان ذلك عام 1971 وبوجود حزب البعث فالامور خطيرة جدا، وقال لي انت تعرف لاوضاع جيدا، من يستطيع ان يتوسط في مثل هذه المسالة؟ قلت له انا اعرف ذلك لكنني وعدت هذا الشخص بان انقل لك رسالته لاريح ضميري.. بعد اربعة اشهر كنت اتمشى في شارع الرشيد ففوجئت بان احدهم مسكني التفت لارى المحامي اليهودي وراح يمدحني وقال اطلقوا سراحي لعدم وجود اي تهمة ضدي لكني عندما التقيت كاكا هوشيار اخبرني بانك نقلت رسالتي اليه وهذا اسعدني كثيرالصدقك وتنفيذك لوعدك.. واصر على دعوتي على العشاء، قلت لنفسي اية مصيبة هذه واعتذرت منه لانني اريد السفر لاربيل".

 

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب