ثلاثة ملفات خانقة في حلق المحادثات التركية العراقية

11-09-2023
شيروان الشميراني
الكلمات الدالة اقليم كوردستان العراق تركيا ايران
A+ A-
 
هما دولتان جارتان لكن تبادل المصالح يأخذ أحياناً شكل التضاد، هناك ملفات بينهما طبيعية وجودها بين الدول، الجارة منها على وجه الخصوص، لكن ثلاثاً منها واقفة في حَلْق كليهما، تعجزان عن مواصلة الكلام بغرض الوصول الى اتفاق، وانما تظهر التباين بسرعة.
 
ربما رسم السياسة الخارجية التي تريد كل دولة أن ترسمها لنفسها، ونوعية العلاقة مع دول إقليمية أخرى تساعد على تعقيد الملفات تلك، وهي : النفط والمياه والأمن، والترتيب حسب الأهمية مختلف من واحدة الى الأخرى، ولو رتبناها حسب درجات الأهمية لكل بلد يكون كالآتي:
 
 من منظور بغداد: المياه، النفط، الأمن.
 
 من منظور أنقرة: الأمن، النفط، المياه.
 
وهناك إقليم كوردستان الذي ربما نوعية العلاقة بينه وبين كل من بغداد وأنقرة كانت صاحبة تأثير في بروز أو ترتيب الملفات الثلاثة، من وجهة نظر الإقليم والتي تكون أقرب في الأولويات الى الرؤية التركية، يكون الترتيب:
 
النفط، الأمن، المياه. 
 
لكن إقليم كوردستان ليس بذي تأثير كبير في حلّ أي منها في الوقت الراهن نظراً للتطورات التي حصلت خلال السنوات الست الماضية.
 
 هنا نحن نتبع الترتيب التركي، بما أنها الدولة التي تمسك بزمام ملفين منها" النفط والمياه"، ولها موقع المبادرة في الملف الثالث "الأمن".
 
1- الأمن، تاريخ الملف الأمني بين البلدين يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، عند بدء العمليات المسلحة لحزب العمال الكوردستاني، مرَّت بمحطات غالبها كان الطرفان مختلفين عليها، الى وصوله لنقطة حساسة خرج فيها الامر من اليد العراقية واصبح اقليمياً، بُعده الاقليمي يتبين من خلال وجود عناصر PKK داخل بلدة عراقية "سنجار- شنكال" يحكمون بدعم من المؤسسة الرسمية العراقية المسلحة "الحشد الشعبي"، لحد عرقلة تنفيذ الاتفاقية الحكومية بخروج تلك العناصر وعودة المهجرين والنازحين، و"مخيم مخمور" الذي الى حدٍّ ما خارج سيطرة السلطات العراقية، والتعسكر والتموضع في سلسلة جبال قنديل المتآخمة للحدود الإيرانية، بمعنى الظهر الآمن والمشكوف لدى الإيرانيين، كل هذا ما لا تقبله أنقرة، وفي المقابل الحضور العسكري التركي في قواعد عديدة مع القصف الجوي عبر المسيرات، وهذا ما لا تقبله الحكومة العراقية.
 
ما يكون الحديث عنه هنا مناسباً، هو أن أحزاباً كوردية معارضة لإيران موجودة على الأرض العراقية، وتتعرض مواقعها الى القصف الصاروخي المباشر، لكن العراقيين في بغداد لا يعترضون إلا إعتراضاً خجولاً، والمؤثرون منهم مؤيدون للهجمات الإيرانية، مع تنديدهم بالهجمات التركية وتهديد قواتها، وقد عقدت بغداد اتفاقاً أمنياً مع طهران على نزع أسلحة تلك الأحزاب الإيرانية المعارضة وإبعادهم الى معسكرات تحددها السلطات، فالسؤال الذي يُطرح:- ما إذا كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يطلب من العراق إتفاقاً أمنياً مماثلاً أم لا؟ وفي حال الطلب ما هي المبررات التي تسيقها بغداد للهروب من هكذا طلب؟ أقول للهروب من الطلب لأن العراق لا يوافق على هكذا اتفاقات امنية مع تركيا، والسبب كما قلت أن الملف من هذا الجانب له بعد إقليمي وليس مما يقع تحت السيادة الكاملة.
 
2- النفط، لم يكن مشكلة عبر التاريخ بين البلدين، تحول الى مشكلة بعد التقارب الكوردي - التركي السريع والقوي، انزعج العراقيون به، وكذلك الإيرانيون الذين يرون في كل العراق حديقتهم، وبوابتهم الى المشرق العربي. نجح العراق عبر هيئة التحكيم الدولية في باريس والزام تركيا ببنود اتفاقية بينهما تعود الى سنة 1973، وإيقاف العلاقة الاقتصادية النفطية المميزة جداً بين أربيل وأنقرة، والآن التصدير متوقف عبر الأراضي التركية والسجال حادّ، والعراقيون يرون أن تركيا تستعمل سلاح المياه وتعطيش شعبه للظفر بتنازلات في ملف النفط مكرهاً.
 
3- المياه، من الإشكاليات بين العراق وتركيا والتي تضرب بها كل دولة الأخرى، تحتل المياه النقطة الأبرز منها من الطرف العراقي، حيث الرافدان ينبعان من داخل الأراضي التركية وتتحكم بهما، يتهم العراقيون الحكومة التركية بالتعدي على الحصلة الدولية للعراق من النهرين، ومن منظورهم إن تركيا تلعب بورقة المياه من أجل تقديم العراق تنازلات عن الملبغ التعويضي الذي وضعته محكمة باريس في رقبة الجانب التركي يسددها للعراق، بُحِثَ الموضوع الاشكالي في زيارة وزير الخارجية هاكان فيدان الى بغداد في 22-24 من آب الماضي، لكن جرّاء عدم الوصول الى النتيجة المرضية يطالب العراقيين المقربين من إيران بممارسة الضغط على أنقرة وتفعيل الأوراق التي توجع الحكومة التركية كملفي التجارة والأمن، لكن العراق غير قادر على سحب تلك الأوراق لأن الضرر سيكون عكسياً على غير المتوقع، علماً ان الرئيس التركي وجه لوماً أخوياً للعراقيين في زيارته عام 2010 لعدم بناء السدود من أجل حبس المياه داخل أراضيهم وتركها تصب في مياه شط العرب.
 
والغريب أن التركيز العراقي وإصراره لا يستعملهما مع الدولة الجارة الأخرى – إيران مع قطع وتقليل نسب المياه القادمة من ايران الى أراضيه، وقد سدّت إيران "الزاب الصغير" كلياً وجفّ تجفيفاً كاملاً الأسبوعين الماضيين، ما يعني أن الميل الروحي له تأثيره المباشر على التعاطي مع مشكلة المياه التي يعاني منها العراق من شماله إلى جنوبه.
 
في تلك الملفات سياسة إقليم كوردستان "المتضرر الأول" أقرب الى تركيا، فهما على وفاق تام - رسمي - في الملف الأمني، و على أتم منه في ملف النفط لحين شهور مضت، والتصحر في العراق لا يشمل المنطقة الكوردية لأن دجلة والفرات لا يمران عبرها، والمياه في تلك المنطقة شبه ذاتية والسدود تبنى من أجل الإستفادة القصوى منها على عكس باقي مناطق العراق، من يقدر على استعمال المياه كسلاح ضد إقليم كوردستان هو ايران وليس تركيا. لهذا يستبعد أن تذهب تركيا مع العراق ضد مصالح إقليم كوردستان في الوقت الراهن، وإن فعلت فترتكب خطأً ستراتيجياً وهي عارفة حقاً أن العراق ليس لها بل لغريمها الاقليمي، وأن جسر العبور التركي الى بغداد يمر عبر كوردستان، وأن المشترك مع الشعب الكوردي هو أكثر بكثير من الأطراف الأخرى.
 
إلا أنّ الملفات على كل إختلاف بينها، تبقى خانقة لكل حديث من أجل التقدم في العلاقات قبل حلها وإزالتها. سياسة البلدين او الغايات التي يرمون الوصول اليها في العقود المقبلة تستوجب الحلّ، فكلاهما يبحثان عن الاستقرار والانتهاء من المشاكل الإقليمية.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

شيروان الشميراني

أحداث البرلمان وتعمد التعطيل

أن يحدث الاشتباك والمناوشات بالأيدي والكراسي داخل القاعات لاسيما في مجلس النواب وعند تمرير المسائل الحساسة، أمر معروف مشهود على المستوى العالمي، أن يحدث الكسر في الرؤوس يدخل في باب القبول أيضاً لأنه كسر أهون من كسر بالإطلاقات والقنابل اليدوية، لكن ان تكون المناوشات مبرمجة وبقصد التعطيل لأن النتيجة لا تساير هواك، فهذا خارج النيات الصافية والعمل المخلص الجادّ.