في فاشية «بعض» المعارضة السورية

18-08-2019
عمر كوجري
الكلمات الدالة المعارضة السورية الزعبي عمر كوجري
A+ A-

  منذ وصول نظام البعث للسلطة على ظهر الدبابة في ستينيات القرن الماضي وحتى الآن، بلغ السوريون بمختلف أروماتهم وانتماءاتهم الويل والوبال، وغدا نظام البعث كارثة حقيقية شوّهت حياة السوريين لأجيال عديدة.

  النظام البعثي الفاشي في سوريا أنتجَ خلال عقود حكمه سلطة القمع والترهيب وزجّ المعارضين الحقيقيين في غياهب المعتقلات الرهيبة، وبذلك اختفت كوكبة مشرقة من أنضج العقول السورية في أقبية المخابرات، كانت ستساهم في نهضة فكرية رائدة في سوريا، لكن البعث كان يفضّل، ومازال العقل المغيّب لاستمراره في جريمة الحكم، اتّبع سياسة قطيعية المجتمع السوري، وجعل من الضابط البعثي حافظ أسد بمرتبة الإله في عيون السوريين وبالإكراه!!

   هذا النظام، قمع كلّ صوت حر نقي، وهيّأ الأجواء لمعارضة تشبهه في كل شيء، فكانت المعارضة التي يعترف بها النظام أقرب لوجه النظام القبيح عينه، والأسماء والهيئات والمنتديات السياسية كثيرة الذكر في هذا السياق.

    حينما اندلعت القيامة السورية، ساح ولاح آلاف السوريين في الشوارع والساحات لكنها افتقدت لرأس معارض يفهم لعبة التوازنات، ويقرأ الوضع السوري بشكل دقيق، فكان كل ما هللوا به أن النظام ساقط لا محالة خلال شهور قليلة، وهكذا وجد الشعب السوري نفسه وحيداً في الشارع بلا قيادة "حكيمة وواعية" لهذا نجح النظام بسرعة في عسكرة الثورة، وجرّ الناس إلى ساحته حيث هو الأقوى والأكثر شراسة، والأكثر تفوقاً في امتلاك السلاح بجميع أصنافه.

  نجح النظام في موازاة ذلك في خلق معارضة شبيهة به، ففسح المجال للبعض الذين وظّفهم بوظيفة الانشقاق عن الجيش أو بعض مراكز الأمن، وأطلق سراح الآلاف من الإرهابيين الإسلاميين خصوصاً في سجونه، وبيّض صفحتهم شرط القيام بتشكيل وحدات عسكرية، وإشاعة القتل، وقتل جيش النظام.

 حفلت المعارضة السورية بأسماء عديدة كانت تسيء للسوريين قبل الكرد، من أمثال عطا كامل وأحمد كامل وأسعد الزعبي وميشيل كيلو وهيثم المالح و.. غيرهم..

  لكن أسوأ هؤلاء كان كلٌّ من سيّئي الذكر عطا كامل وأسعد الزعبي. هذا الأخير وهو ضابط طيار قدّم نفسه على أنه منشق عن النظام في العام 2016 وتلا بياناً بهذا الخصوص "أعتقد أن ذلك تم في الأردن" لكن قيل أنه وقتذاك لم يكن في السلك العسكري، يعني كان مفصولاً من وظيفته.

«المعارض السوري» الزعبي الذي وصل قبل سنوات إلى رئاسة هيئة التفاوض السورية، ففي العام 2016 قال في تصريح إعلامي لراديو اوريينت المشبوه" الكردي كان يتمنّى في عهد الرئيس حافظ الأسد الحصول على ورقة تثبت أنه بني آدم، كل المرتزقة في العالم وضعوا خططهم وأجنداتهم على الطاولة السورية، يريدون أن يأخذوا دولاً وكيانات، ويصبحوا بني آدميين"  وقال أن  "الاكراد لا يمثلون واحد بالمئة من مجموع السوريين!!

 هذه التصريحات أثارت ردود فعل واسعة إلى حدّ أن المجلس الوطني الكردي علّق حضوره لمشاورات جنيف، مطالبًا بتغيير الزعبي الذي كان يشغل وقتذاك رئاسة وفد المعارضة.

يوم الجمعة 16-8-2019 جدّد الزعبي حقده الكبير حيال الكرد، فنشر تغريدة على تويتر مليئة بالشتائم البذيئة للكرد بحجّة التهجُّم على حزب الاتحاد الديمقراطي، مما أشعل منصات التواصل الاجتماعي من طرف الكرد وعدد مقبول من الباحثين والكتاب العرب السوريين، لكن الأقسى حينما ترحّم على صدام حسين لأنه استخدم السلاح الكيماوي ضد الكرد في حلبجة وغيرها، فمال بال المعارضة السورية تجد في شخصية فاشية كصدام حسين مثالاً أعلى لها، ولا ننسى كيف أن هذه المعارضة بعد احتلال عفرين الكوردستانية من قبل فصائل "الجيش الوطني" بدعم كبير من تركيا؟ كيف أنها أغمضت العين عن بعض العناصر التي وضعت صور صدام حسين على زجاج سياراتها في تقصد واضح لإيذاء الكرامة الكردية أكثر. 

الزعبي، في تصريحه الأخير قدّم خدمةً جليلة للنظام الذي لم ينقطع عنه يوماً حينما ولّد بكلامه خطاب الكراهية الى أبعد حد، هذا ما يتمنّاه النظام، ويروّج له، كيف لهذا السفاح أن يعارض نظاماً يمطر شعبه بالبراميل المتفجّرة، ويمدح بالمقابل نظام صدام البائد الذي قتل مئات الآلاف من العراقيين والكرد.   

 أسعد الزعبي الذي لا يمثل حالياً في أي إطار للمعارضة، بل يقدّم نفسه كمحلل عسكري واسترايتجي، صار يركض وراء غرف استديوهات الفضائيات لحصد المزيد من الدولارات لم يعبّر عن حالة فردية شخصانية، بل ثمة طيف واسع من بعض المعارضة السورية الى الآن لم تتجاوز ذهنية النظام الإرهابية الإقصائية، وحتى الآن المعارضة السورية بمختلف تشكيلاتها ومكوناتها لم تقر بشكل واضح بحقوق الكرد في سوريا كمكوّن أساسي له الحق في أي نظام سياسي يريده في سوريا المستقبل.

استضيف الزعبي من فضائية "رووداو" لتوضيح موقفه في إحدى نشراتها الإخبارية لكن بدلاً من "يكحلها عماها" !! فقد جدد ترحُّمه على المجرم الفاشي صدام حسين معللا أن "جميع العرب الذين أدركوا الخطر الإيراني اليوم، يترحمون على صدام، ورحمة الله على صدام الذي كان سداً في وجه الفرس الذين يقتلوننا اليوم ويهربون المخدرات (إلى بلدنا)، كما يقومون بتخريب (منطقة) كوردستان، وبالتالي الرحمة على صدام لأنه كان له دور في مواجهة الفرس، كما أنه ميت ولا يجوز على الميت إلا الرحمة".  

كما زعم أن كلامه قد فُهم خطأ، وكان موجّها" لحزب الاتحاد الديمقراطي، وليس للكرد عموماً، واعتذر من شعب جنوبي كوردستان دون أن يلمح أن هناك كرداً في غربي كورستان يستوجب منه الاعتذار مع أن أي اعتذار لا يساوي شناعة فعلة الزعبي.

 وهذا ما حدا بالمجلس الوطني الكردي عبر مقابلات بعض كوادره التلفزيونية بأن يطالبوا العراق وحكومة كوردستان بتقديم دعوى قضائية بحق المجرم الطيار الزعبي، ومفاتحة السعودية بالأمر كونه يقيم فيها.

أخيراً:

ينبغي التأكيد على أن الزعبي لا يمثل حالة فردية كما لمحنا في بداية المساهمة، بل أن العديد من أسماء ما تسمّى بالمعارضة السورية تتخلق بالنظرة الدونية والفاشية تجاه الكرد. وكما كتب الزميل الكاتب وليد بركسية أن "وجود هذه النوعية من الأصوات ضمن المعارضة السورية يثير تشتتاً في الرؤية الغربية للحدث السوري، قد يصبح معها التعامل مع النظام السوري وضبطه، فكرةً أكثر واقعية لدى بعض السياسيين الغربيين، مقارنة بالتعامل مع سياسيين معارضين لا يمكن التنبؤ بأفعالهم، ولا الدفاع عنهم أمام الرأي العام مع احتفاظهم بهذا النوع من خطاب الكراهية". 

الزعبي الذي برر ترحّمه على صدام حسين لا يمكن أن يكون من فصيلة البشر، وليس مستبعداً في أيام قريبة قادمة أن يعود الى حضن النظام في دمشق طالباً الرأفة والسماح بعدما أدى المهمة الموكولة اليه بنجاح باهر.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له أي علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية‬‬‬.



تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

مصطفى كامل

شهادات عليا

شهد العراق في السنوات الأخيرة، ظاهرة متنامية تتعلق بالحصول على الشهادات العليا من جامعات غير رصينة في دول مثل لبنان وإيران. هذه الظاهرة، التي تبدو في ظاهرها طموحة، تحمل في طياتها العديد من التحديات التي تهدد جودة التعليم وكفاءة الأداء الوظيفي في مؤسسات الدولة.