نازحو الموصل وأحلام العودة المؤجلة

19-08-2019
تمارة عماد
A+ A-

بعد انقضاء عامين على العمليات العسكرية التي استعادت فيها القوات العراقية مدينة الموصل من أيدي تنظيم داعش، ما تزال الأوضاع في المدينة تنذر بتدمير شامل. لم ينفذ سوى جزء بسيط من الخطط والوعود التي وضعتها حكومة بغداد بينما يستدعي الأمر وضع خطة طوارئ عاجلة لمعالجة المشكلات، تتناسب مع حجم الكارثة الإنسانية والواقع المأساوي، تكون وفق رؤية واقعية، تبدأ معها مشاريع تنموية اقتصادية في سبيل إعادة الحياة إلى المدينة. وفق آخر الاحصاءات هناك ما يقارب ٣٨٠ الف مواطن لاجئ من مدينة الموصل، ما زالوا حتى اليوم يعيشون في معسكرات النازحين، بحسب مجلس اللاجئين النرويجي، الذي قدر حجم التدمير الحاصل في الأحياء السكنية حوالي ١٣٨ الف منزل. وفي هذا الإطار تكفل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إعادة تأهيل ١٥ الف منزل مدمر، تم الانتهاء ـ حتى الان ـ من تأهيل ١٨٠٠ بيت منها، سُلمت لأصحابها، وكانت الأولوية لمنازل النساء اللواتي فقدن عائلاتهن، وأيضاً الأشخاص ذوي الإعاقة.

في اطار السعي المستمر لإعادة الاستقرار للمدينة، وتوفير بيئة صالحة للعيش وإعادة بناء البنى التحتية ما زالت السلطات العراقية، في حالة عجز شكّل عائقا كبيرا أمام حركة البناء والإعمار، كون الجهات المسؤولة، لا تملك المعدات والآليات الكافية لرفع الركام المتناثر في أنحاء المدينة؛ حيث وصل حجم الركام في أحياء الموصل وتحديدا في المدينة القديمة زهاء مليون طن، لم يتم رفعها حتى الآن.

وبحسب إحصاءات المنظمات الدولية، هناك أكثر من 11 ألف منزل، و63 مسجدا وكنيسة، أغلبها تاريخية مدمرة تدميرا جزئيا أو كاملا، ونحو 212 معملا وورشة، و29 فندقا، و9 مستشفيات، الى جانب 76 مركزا صحيا مدمرا، بالاضافة إلى أكثر من  308 مدارس، و12 معهدا وكلية بمكتباتها ومرافقها المدمرة.

فيما أعلنت منظمة "Humanity & Inclusion" الفرنسية للإغاثة وفقاً لتصريحات حديثة أصدرتها أنه تم التخلي عن إعمار الجانب الغربي من الموصل. ويعود ذلك لعدة أسباب في مقدمتها انعدام الموارد وعدم جدية الحكومة في بغداد على تنظيم عمليات إزالة الألغام والمخلفات الحربية والجثث، التي طالب الأهالي بانتشالها، وناشدوا الحكومة العراقية طوال الفترة التي مضت لاتخاذ اللازم، كونها تشكل خطرا حقيقيا وكارثة إنسانية كبيرة. وإزاء ذلك، صرح نواب عن مدينة الموصل، وسكان محليون بأن الشركات التي تعاقدت معها الحكومة العراقية، بعقود مربحة لسد النقص الحاصل في الأشغال المطلوبة، في ظل الظروف الطارئة والاستثنائية، تتعمد التباطؤ في العمل، أو لا يكون لها وجود في بعض الأحيان. 

وهذهِ المعطيات تعني بقاء أعداد كبيرة من النازحين، يعيشون أوضاعا صعبة في المخيمات لعدة سنوات قادمة، ناهيك عن انتشار الجهل للفئات العمرية الصغيرة، التي ستحول الظروف بينها وبين التحاقها بمقاعد الدراسة.  حالات مأساوية وثقتها منظمات حقوقية، كشفت أن العديد من العائلات من سكان المدينة، تواجه صعوبات مالية وحالات فقر تدفع بهم نحو العيش بأدنى المستويات. علي ذنون، من أهالي مدينة الموصل، يقول انه رب أسرة مكونة من أربعة أطفال، واصبح يتكفل بمعيشة أسرة شقيقهُ المكونة من طفلين، بعد أن قُتل شقيقهُ على يد عصابات داعش. يقول ان معدل دخلهُ الشهري لا يتجاوز ثلاثمائة ألف دينار عراقي (250 دولارا أمريكيا) يتقاضاها عن عملهُ في أحد المطاعم التي تم افتتاحها مؤخرًا في الجانب الأيسر من المدينة. ويضيف، أن المعيشة في المدينة صعبة جدا، ومن يجد فرصة عمل تؤمن له دخلا يوميا، وإن كان بأجور ضئيلة يتمسك بها بسبب سوء الأوضاع، وانعدام فرص العمل. ومع عودة العديد من الأهالي من محافظات نزوحهم إلى الموصل، ارتفعت إيجارات المنازل على نحو متزايد، وتكدس السكان في منازل صغيرة، ما دفع الكثير من الأسر إلى اعادة بناء وإعمار بيوتهم بأنفسهم، وقد اضطروا مع هذا الحال الى الاستدانة والاقتراض من الأصدقاء والمعارف.

هذهِ الظروف التي تعيشها الموصل، تستدعي تحركات عاجلة؛ فالمعطيات جميعها تعكس واقعا مختلفا، بحاجة لمراقبة التزامات الحكومة والجهات الداعمة والمانحة في سبيل إعادة تأهيل البنى التحتية، خلال مدة زمنية محددة، ليتم خلالها إعادة سكان المدينة إلى ديارهم، وإنهاء فصل النزوح والشتات في ثاني أكبر المدن العراقية.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له أي علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية‬‬‬.

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

مصطفى كامل

شهادات عليا

شهد العراق في السنوات الأخيرة، ظاهرة متنامية تتعلق بالحصول على الشهادات العليا من جامعات غير رصينة في دول مثل لبنان وإيران. هذه الظاهرة، التي تبدو في ظاهرها طموحة، تحمل في طياتها العديد من التحديات التي تهدد جودة التعليم وكفاءة الأداء الوظيفي في مؤسسات الدولة.